بالمُقارَنة مع حرب 73، يقول بار يوسف، الذي تحدّث في إطار مُقابَلات أجراها عوفر أديرت في "هآرتس" مع بعض المؤرّخين الإسرائيليين حول الحرب، إن الفشل الاستخباري في السابع من أكتوبر كان أكبر بكثير من يوم الغفران...
موقع عرب 48
30/10/2025
أعادت الحرب على غزّة إلى الذهنيّة الإسرائيلية العديد من الأسئلة الوجوديّة المرتبطة بـ"البقاء"؛ والمقصود أسئلة حول بقاء إسرائيل من عدَمه، بدأت تجِد طريقها في الظهور إلى العلَن مع توقّف الحرب وإرهاصات النقاشات الأوليّة حول استجلاء نتائجها، خاصّة في ظلّ الصورة الضبابيّة التي خلّفتها، والتي يمتزج فيها الإقليمي بالمحلّي، وتختلط السياسة العامّة بالسياسة الداخلية، ويتشابك الحزبي/ الشخصي بالـ "وطني"، بشكل غير مسبوق في تاريخ حروب إسرائيل الماضية.
ولا تنحَصر عودة هذه الأسئلة التي ظنّ العديد، وبينهم الإسرائيليون أنفسهم، أنها قد انقشعَت إلى غير رجعة، بفعل عوامل القوّة المتمثّلة بالترسانة النووية التي تنفرد بها إسرائيل عن سائر الدول العربية والإسلامية الشرق أوسطية، إلى جانب التفوّق العسكري التقليدي الذي لا يُضاهى؛ وهي عوامل رسّخت من وجود إسرائيل في المنطقة، وكانت سبَبًا لفشل العرب والفلسطينيين في هزيمتها عسكريًّا، واضطرارهم "صاغرين" إلى التوصّل إلى تسويات سلميّة أو "استسلاميّة" معها، بلغَت ذروتها فلسطينيًّا باتفاقيّات أوسلو، وعربيًّا باتفاقات التطبيع "الإبراهيمية" سيّئة الصيت.
ولا تنحصر أسباب عودة هذه الأسئلة الوجوديّة في مفاعيل هجوم السابع من أكتوبر وتداعياته، بل هي ترتبط أساسًا بحرب الإبادة على غزّة، التي ليست فقط فشلت في محو "التراوما" التي سبّبها هذا الهجوم، بل ساهمت في تعزيزها بعد أن أعادت الصراع الفلسطيني/العربي – الصهيوني إلى المُرَبّع الأول، بوصفه صراع وجود وليس صراع حدود، وأكّدت في ذات الوقت حدود القوّة الإسرائيلية التي فشلت، رغم جبروتها، في كسر إرادة غزّة والشعب الفلسطيني.
في هذا السياق، كشف استطلاع أجرَته مجموعة البحث الإسرائيلية "تمرور" بعد توقّف الحرب، أن 50% من الفلسطينيين في الضفّة الغربية لا يعترفون بشرعية وجود إسرائيل، ويعتقدون بإمكانية القضاء عليها بعد السابع من أكتوبر، في حين أن 69% من الجمهور الفلسطيني يؤمِن بأن إسرائيل لن تبقى للأبد؛ فيما يرى 71% باتفاقيّات التطبيع معها خيانة للشعب الفلسطيني.
ومع أن النتائج تتغيّر في حالة عرض تسوية تضمن الحدّ الأدنى من العدالة للفلسطينيين، وفقًا لما يُظهِره الاستطلاع، فإن مقال رؤساء المجموعة، شاؤول أريئيلي، سيفان هيرش هبيلد، وجلعاد هيرش بيرغر، الذي نشَرته صحيفة "هآرتس"، يُشير إلى أن الموقف الرافض للاعتراف بإسرائيل وعقد تسويات معها، الذي استمرّ من عام 1917 وحتى 1988، قد كُسِرَ بفعل عاملين أساسيين: هما التفوّق العسكري الإسرائيلي، والشرعية الدولية التي حظِيت بها بحدود 1967.
وبدون شك، أن هذين العاملَين قد اهتزّا إلى حدٍّ مُعَيّن بفعل السابع من أكتوبر وحرب الإبادة على غزّة. فمن ناحية، أظهَر السابع من أكتوبر فشل المنظومة الاستخباريّة والأمنيّة الإسرائيلية وعجزها عن حماية عمقها الاستراتيجي في هجومٍ كبير؛ ومن ناحية ثانية، رسمَت حرب الإبادة على غزّة حدود القوّة الإسرائيلية التي فشلت، رغم إطلاق يدها في القتل والدمار، في محو آثار السابع من أكتوبر وتحقيق أهداف الحرب في تحرير الأسرى، والقضاء على قوّة حماس العسكرية، وتفكيك سلطتها في قطاع غزّة؛ ناهيك عن فشل الهدف الاستراتيجي المتمثّل بتهجير الفلسطينيين من القطاع.
وكان استطلاع للرأي أجراه معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أُجرِي في وقتٍ سابق، قد أظهَر أن 50% من الإسرائيليين يرون أن الحرب على غزّة لم تُحَقّق أيّ انتصار لأيّ من طَرَفَيْها. وفي هذا السياق، يقول أستاذ التاريخ في جامعة حيفا، أوري بار يوسف، إن السابع من أكتوبر يُعطي صورة عن "كيفيّة الحرب السيّئة"، مُشيرًا إلى أن عدد الذين قُتِلوا بعد أن رفَعوا أيديهم في نكبة 48 بلَغ 700 فلسطيني فقط، على حدّ قوله، مضيفًا: إنه أمرٌ فظيع، ولكن الأعداد قليلة. لكن في الحرب الحالية، حوّلنا غزّة إلى خراب، وارتكبنا مجازر بحقّ السكّان المدنيين دون هدف سوى الانتقام، كما يقول... ورغم أنه ظلم كبير ومؤلِم، لكن تهجير 700 ألف فلسطيني في الـ48 من أراضي الدولة اليهودية، كان في النهاية إنجازًا مَكّن من إقامة الدولة، وجرى تقبّله عالميًّا في نهاية المطاف؛ ولا أحد يتحدّث عن عودة لاجئي 48 اليوم.
وبالمُقارَنة مع حرب 73، يقول بار يوسف، الذي تحدّث في إطار مُقابَلات أجراها عوفر أديرت في "هآرتس" مع بعض المؤرّخين الإسرائيليين حول الحرب، إن الفشل الاستخباري في السابع من أكتوبر كان أكبر بكثير من يوم الغفران؛ إضافة إلى أن الجيش هذه المرّة لم يكن جاهزًا للحرب... الجميع يتحدّثون عن الجنود الأبطال؛ لكن ماذا فعَل هؤلاء الأبطال؟ أبادوا غزّة بالمتفجّرات، وقتَلوا 70 ألف إنسان، غالبيّتهم من المدنيين.
2025-11-03 12:32:57 | 32 قراءة