التصنيفات » مقالات سياسية

نتنياهو لا يواجه تهديداً لكنه "يفتح النار" على عدّة اتجاهات كتعبير عن قلَق
نتنياهو لا يواجه تهديداً لكنه "يفتح النار" على عدّة اتجاهات كتعبير عن قلَق
المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيليّة 
27 أكتوبر 2025
• برهوم جرايسي
ظهَر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في الأسبوع الماضي، ومع افتتاح الدورة الشتوية للكنيست، وعام الكنيست الـ 25 الأخير، الذي سينتهي بانتخابات، كمن "يفتح النار" في اتجاهات متعدّدة، بدءاً من "مُقَرّبين"، مروراً بالمعارضة، وحتى تغيير قوانين تتعلّق بالانتخابات، بهدف "هندَسة نتائج الانتخابات" المقبلة، بحسب الوصف الذي استخدَمته وسائل إعلام إسرائيلية. وهذا يعكس حالة من القلَق لدى نتنياهو؛ وهو قلَق يُلازمه باستمرار، على الرغم من أنه لا يُواجِه تهديداً لمكانته، حالياً، بمعنى حلّ الحكومة والكنيست قريباً، بغير إرادته، والتوجّه لانتخابات، ولا على صعيد مكانته في الحزب، في انتخابات الرئاسة التي من المفروض أن تجري في نهاية تشرين الثاني المقبل.
 وكانت المفاجأة الأولى مع افتتاح الدورة الشتوية إقالة، أو دفع على استقالة رئيس "مجلس الأمن القومي" في ديوان رئيس الحكومة، تساحي هنغبي. وعلى الفور كشَف هنغبي عن وجود خلافات بينه وبين نتنياهو، ويبدو أنها دارَت على مدى أشهر طويلة؛ واللافت أنها لم تتسرّب إلى وسائل الإعلام، كغيرها من الخلافات بين نتنياهو ومسؤولين كبار. إذ قال هنغبي إنه كان يؤيّد ابرام صفقة شاملة وسريعة مع حركة حماس، في وقتٍ مُبكِر، وعارَض مخطّط احتلال مدينة غزة وجوارها؛ بمعنى أن هنغبي كان متوافقاً، أو قريباً من موقف الرئيس السابق لجهاز المخابرات العامّة، "الشاباك"، رونين بار، الذي أقاله نتنياهو، وأيضاً من رئيس جهاز المخابرات الخارجية، الموساد، دافيد برنياع، الذي هو أيضاً تعرّض لانتقادات نتنياهو في مطلع الأسبوع الماضي.
ومن أبرَز ما جاء في بيان هنغبي دعوته إلى إقامة لجنة تحقيق في "إخفاقات السابع من أكتوبر 2023"، قائلًا إنه يتحمّل قسطاً من المسؤولية. لكن دعوته هذه هي بمثابة توجيه إصبع اتهام غليظة لشخص نتنياهو، رئيس الحكومة، بشكل متواصل تقريباً منذ العام 2009، باستثناء عام واحد.
وإقالة هنغبي تُشير إلى تعمّق الأزمة  لدى نتنياهو. فهو كان محسوباً من الشخصيات الأقرب إلى نتنياهو؛ وإقالته جاءت بعد سلسلة استقالات، أو بعد أن قرّر نتنياهو إبعاد مُستَشارين وموظّفين من دائرته إلى وظائف أخرى؛ ففي العام الأخير، أُقيل بقرار من نتنياهو، أو استقال، عدد من كبار الموظّفين في مكتبه، من بينهم، قبل هنغبي، رئيس طاقم عمل رئيس الحكومة، تساحي برافرمان، الذي أزاحَه نتنياهو ليشغل منصب سفير في لندن، والناطق بلسان الحكومة عومر دوستري؛ ومن قبل، مدير عام رئاسة الحكومة يوسي شيلي، الذي أزاحَه نتنياهو ليكون سفيراً لدى دولة الإمارات العربية المتحدة؛ في حين تتّجه الأنظار إلى استقالة وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، من منصبه، خلال شهر تشرين الثاني المقبل، وهو الأقرب لنتنياهو؛ كما أنه ليس عضو كنيست. لكن لا يبدو أن بين الاثنين خلافات.
"لجنة تحقيق بأداء المعارضة الميدانيّة"!
تتعاظم المُطالَبات، ومعها ضغوط الرأي العام، لتشكيل لجنة تحقيق رسمية، في "إخفاقات السابع من أكتوبر 2023"؛ إذ بحسب استطلاع صحيفة "معاريف" الأسبوعي، الصادر يوم الجمعة الماضي، 24 تشرين الأوّل الجاري، فإن 64% من المُستَطلَعين يريدون إقامة لجنة تحقيق وفق القانون القائم، في مقابل 22% يُعارِضون، و14% قالوا إن لا موقف لديهم؛ ونسبة التأييد هذه تعني أيضاً غالبيّة من بين اليهود الإسرائيليين؛ بمعنى من دون تأثير موقف الجمهور العربي؛ وهذا ما يهم نتنياهو بالذات.
ويقضي قانون لجان التحقيق الرسمية القائم بأن يُكَلّف رئيس المحكمة العليا بتعيين أعضائها. كما أن قرارات لجنة التحقيق الرسمية مُلزِمة للحكومة. وهذا ما لا يريده نتنياهو وفريقه الحاكم، كون رئيس المحكمة الحالي إسحاق عميت، "مبغوض" من قِبَلِهِم. ولهذا فإن الائتلاف يسعى إلى سن قانون جديد، يمنح الحكومة ورئيسها صلاحيّة تعيين أعضاء لجنة التحقيق.
وقالت تقارير صحافية إن نتنياهو يسعى، سويّة مع وزير العدل ياريف ليفين، إلى سن قانون جديد يقضي بإقامة لجنة تحقيق، يكون أعضاؤها مُناصَفة بين الائتلاف والمعارضة، على أن يكون رئيسها قاضي محكمة عليا متقاعد، يكون مقبولًا على الطرفيْن.
إلّا أن نتنياهو يُريد أكثر من هذا. فهو يُريد لهذه اللجنة ليس فقط أن تحقّق بالمسؤولية عن الفشل العسكري والسياسي، الذي انعكس في هجمات حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023، بل أيضاً التحقيق في من يقف وراء حركات الاحتجاج التي اندلعت في الشارع الإسرائيلي، منذ مطلع العام 2023، ضدّ مبادرات الحكومة لتقويض جهاز القضاء؛ ولاحقاً ضدّ أداء الحكومة في الحرب؛ والقصد التلكّؤ في إبرام صفقة تُعيد الرهائن من قطاع غزة. كما يُريد نتنياهو لهذه اللجنة أن تحقّق بدور جهاز القضاء في ما أسماه "دور جهاز القضاء في خَصي قدرات أجهزة الأمن".
وتقول التقديرات الإسرائيلية إن نتنياهو يُريد الإسراع في فرض لجنة تحقيق كهذه، تحسّباً لحلّ الكنيست بشكل مفاجئ له، والتوجّه إلى انتخابات مُبكِرة، قد لا تكون نتائجها لصالح نتنياهو؛ وحينها ستَفرض الحكومة الجديدة لجنة تحقيق بموجب القانون القائم، والتي قد تكشف عن حجم دور نتنياهو بفعل رئاسته للحكومة منذ العام 2009، باستثناء عام واحد، في كلّ الفشل الذي تَكَشّف في السابع من أكتوبر.
بموازاة هذا، ظهَرت على السطح من جديد، مُناورات يقف من خلفها نتنياهو، في سعي لتغيير أُسس اللعبة الانتخابية القائمة، وبالذات في مسألة نسبة الحسم، التي هي 3.25%، بعد أن تمّ رفعها قبل انتخابات ربيع العام 2015؛ وكان الهدف واضحاً، وهو ضرب تمثيل الجماهير العربية، التي نجحت أحزابها يومها في أن تتوحّد في قائمة مشتركة، وزادت تمثيلها البرلماني. إلّا أنه في السنوات الأخيرة، انقلَب السحر على الساحر، وباتت أحزاب يهودية صهيونية، وأخرى دينية، تُصارِع نسبة الحسم. وهذا امتدّ إلى فريق نتنياهو الحاكم، خاصّة حزب "الصهيونية الدينية"، الذي بحسب استطلاعات الرأي يُصارِع نسبة الحسم.
وحتى الآن، ليس واضحاً مصير هذه المبادرة. إلّا أن المعروف أن حزب شاس بزعامة آرييه درعي، الحليف الأكبر في فريق الليكود الحاكم، يُعارِض بشدّة هذه المبادرة، تحسّباً لحدوث انشقاق في الحزب، أو نجاح خصم للحزب، بزعامة الرئيس السابق لحزب شاس، إيلي يشاي، في أن يخوض الانتخابات وينجح في التمثيل البرلماني، وينتقص من قوّة شاس القائمة. وبحسب اتفاقيّات الائتلاف، فإن جميع مُبادَرات القوانين يجب أن تحظى بإجماع الأحزاب الشريكة في الحكم. 
انتخابات رئاسة الليكود تكاد تكون صوريّة
أعلَن حزب الليكود أنه في نهاية تشرين الثاني المقبل، ستجري انتخابات لمنصب رئيس الليكود. لكن من الواضح أن المرشّح واحد وحيد، وهو شخص بنيامين نتنياهو. وبالإمكان القول إنه لن يكون من سيَتجرّأ على مُنافَسة نتنياهو، فقط من باب تسجيل موقف، رغم معرفته بأن النتيجة معروفة سلفاً؛ إذ إنّ آخر من تجرّأ فعلاً على هذا، كان جدعون ساعر، وخاض الانتخابات أمام نتنياهو في نهاية العام 2020، وحصل على 23٪؛ ومن هناك كانت الطريق سريعة لخروجه من حزبه الأم، الذي عاد إليه رسمياً، في شهر أيلول الماضي.
ففي نهاية العام 2021 والنصف الأوّل من العام 2022، حينما كان الليكود في صفوف المعارضة، مع مؤشّرات إلى احتمال أن وجوده في المعارضة سيَطول، الأمر الذي لم يتحقّق، أعلَن عدد من نوّاب الليكود عزمهم المُنافَسة على رئاسة الليكود. لكن كلّ هؤلاء، وحتى من أعلَن أنه سيُنافِس فقط إذا تنحّى نتنياهو، دفعوا ثمناً سياسياً بعد انتخابات خريف العام 2022، وعودة نتنياهو إلى الحُكم؛ وحتى قبل هذا، في انتخابات تشكيل قائمة الليكود. ونذكُر من بينهم يولي إدلشتاين، الذي دفع الثمن الأكبر، باستبعاده عن منصب وزير؛ وأيضاً يسرائيل كاتس، الذي يتولّى حالياً منصب وزير الدفاع (الأمن). لكن قبل هذا واجه مع تشكيل الحكومة ما اعتبره "مهانة"؛ وأيضًا الوزير نير بركات، والوزير آفي ديختر.
وهذا نهج  نتنياهو منذ انتخابه لرئاسة الليكود لأوّل مرّة في العام 1993، إذ عمل على إقصاء ومُحاصَرة كلّ من نافَسَه على رئاسة الحزب، حتى خروجه من الحلَبة السياسية. وقد سيطر نتنياهو على الليكود حتى العام 1999، حينما اعتزل لفترة، وعاد إلى حكومة أريئيل شارون في العام 2003، ثم عاد لرئاسة الليكود في خريف العام 2005، بعد أن أقدَم شارون على شقّ الحزب الذي كان يترأسه؛ وهو ما يزال رئيساً للحزب؛ وكما يبدو لسنوات قريبة أخرى.
وليس واضحاً، في حال كان نتنياهو مرشّحاً وحيداً، ما إذا ستجري الانتخابات لرئاسة الحزب؛ لكن بعدها مباشرة سيسعى الحزب لانتخاب قائمته للانتخابات المقبلة، في وقتٍ مُبكِر نسبياً، بحسب بعض التقارير؛ وفيها سيتم إقصاء عدد لا يُستَهان به من النوّاب، إذ إنّ النظام الانتخابي لحزب الليكود يضمن تجديد ثلث الكتلة القائمة على أقلّ تقدير، من خلال مرشّحي الأقاليم، إذ إنّ من فاز بمقعد، في الانتخابات السابقة، من خلال مقعد الإقليم، لا يجوز له الترشّح في الحزب مجَدّداً من خلال الأقاليم، بل من خلال القائمة العامّة، التي ستشهد اكتظاظاً شديداً. وهنا سوف تكون "تصفيات سياسية" جديدة يُخَطّط لها نتنياهو.
وليس من المُستَبعد أن نرى عضو كنيست، ولربما أكثر، يختارون الاستقالة من الكنيست، قبيل حلّ الكنيست، كي يكون مُتاحاً لهم إمكان الانتقال إلى حزب آخر، يقبل بهم بالترشّح في قائمته للانتخابات المقبلة. لكن لا توجد أسماء ذات "نجوميّة" سياسية جارفة قادرة على إضافة قوّة لأيّ حزب قائم أو جديد.

2025-11-07 14:20:41 | 7 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية