"مُنتَدى خرّيجي الوحدة 8200": من غُرَف التجسّس إلى عالَم المليارات وريادة الأعمال!
"مُنتَدى خرّيجي الوحدة 8200": من غُرَف التجسّس إلى عالَم المليارات وريادة الأعمال!
30 أكتوبر 2025
المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيليّة
• عبد القادر بدوي
الوحدة 8200 هي وحدة استخبارات إلكترونيّة تابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" التابعة للجيش الإسرائيلي. وتُعَدّ أكبر وحدة مُفرَدة في الجيش، وتقوم بدور مركزي في جمع معلومات الإشارة SIGINT، التحليل الاستخباري والحرب الإلكترونية؛ وتعمل كعمود فقري تكنولوجي لجهود الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. تُرَكّز مهام 8200 في اعتراض الاتصالات وقرصنة بياناتها، فكّ الشيفرات، تطوير أدوات وبرمجيّات للاستطلاع والاستخبارات، وتنفيذ عمليات حرب إلكترونية تتضمّن اختراق شبَكات من تُصَنّفهم إسرائيل كأعداء، تعطيل الأنظمة، وجمع معلومات استخبارية تقنيّة واسعة النطاق؛ بالإضافة إلى تطوير قدرات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي لتسريع تحليل البيانات من كميّات هائلة من الاتصالات والبيانات التي تحصل عليها (كما حدَث خلال حرب الإبادة على قطاع غزة).
وعدا عن دورها في مجال الاستخبارات، وما يُنسَب للوحدة خلال السنوات الماضية من "إنجازات" في مجال العمل التجسّسي والاستخباري؛ وهو ما دفَع العديد من التحقيقات لمُقارَنتها بالوكالة الوطنية للأمن الأميركية (NSA) أو (GCHQ) البريطانية، من حيث نطاق العمل والخصائص؛ برَز دور وحدة 8200 أيضاً في تحوّلها لمعمل إنتاج كوادر تقنيّة عالية المهارة في مجالات البرمجة، هندسة السايبر وعلوم البيانات، حيث تحوّلت إلى منصّة ينطلق منها من خدَموا في الوحدة إلى سوق رأس المال، وتحديداً عالَم شركات التقنيّات الفائقة والأمن السيبراني وشركات الحماية والتجسّس، مثل: شركات على غرار Check Point ،CyberArk وأمثالهما، التي عكَست التحالف بين التدريب العسكري المتقدّم وعالَم ريادة الأعمال وسوق التقنيّات في إسرائيل وحول العالَم.
هذه المُساهَمة تُسَلّط الضوء على ما يُعرَف بـ "مُنتَدى خرّيجي الوحدة 8200" المُسَجّل كمنظّمة مجتمع مدني في إسرائيل، والذي أخَذ على عاتقه مهمّة بناء وتعزيز التحالفات بين مجالات الأمن - العسكرة المتقدّمة في إسرائيل من جهة، وسوق العمل ومجال التكنولوجيا الفائقة (الهايتك) في إسرائيل والعالَم، مع تجاهل تام لكافّة الإشكاليّات الأخلاقية والقانونية والإنسانية المترتّبة على هذا التحالف، الذي حوّل الفلسطينيين في فلسطين التاريخية على مدار سنوات طويلة إلى مسرح أو "حقل تجارب" للتقنيّات والبرمجيّات التي تعمل على تطويرها. جديرٌ بالذكر أن الأفكار والمصطلحات الواردة في هذه المُساهَمة لا تُعَبّر عن وجهة نظر الكاتب أو مركز مدار.
"مُنتَدى خرّيجي الوحدة 8200"
يُعَرّف المُنتَدى نفسه على أنه جمعيّة غير ربحيّة تأسّست في العام 1989 بهدف "دعم خرّيجي الوحدة" في حياتهم المدنيّة واستثمار الخبرات التي اكتسبوها خلال خدمتهم في الوحدة داخل المجتمع الإسرائيلي، وذلك بهدف الحفاظ على "تراث الوحدة" وتأمين شبكة علاقات من خلال دوائر متخصّصة في كلّ مجال، وتطوير مسارات حياتهم. داخل المُنتَدى، هناك العديد من الأقسام التي يتخصّص كلٌ منها في مجالٍ بِعَيْنِه: التعليم التكنولوجي، ريادة الأعمال، الأمن السيبراني، التطوير والابتكار؛ بالإضافة إلى مُنتَدى الطلَبة والشباب دون سن 35. ومن خلال هذه الأقسام، يسعى المنتدى إلى استثمار "رأس المال البشري" المُتَراكِم في خبرات كبيرة لِمَن خدموا في الوحدة بهدف تعزيز قطاعات التكنولوجيا ومجال الأمن السيبراني والتكنولوجيا الفائقة في إسرائيل، وذلك ضمن سيرورة "التحوّل من الخدمة العسكرية إلى الحياة المدنية وريادة الأعمال"؛ وهي بذلك تلعب دوراً محورياً في تطوير قطاعات التكنولوجيا الفائقة والأمن في إسرائيل، ومنها إلى العديد من دول العالَم.
يُدير المُنتَدى مجموعة متنوّعة من البرامج التي تهدف إلى تسهيل مناخات انتقال الأفراد من المدارس إلى الوحدة، ومن الوحدة إلى سوق العمل الإسرائيلية وقطاع التكنولوجيا وريادة الأعمال والأمن السيبراني، ومنها إلى الأسواق العالَميّة. يضم المُنتَدى أكثر من 26 ألف عضو من خرّيجي الوحدة؛ وقد استطاع خلال حوالي 36 عاماً من تأسيسه (في العام 1989) توفير قرابة 300 منحة لأعضائه. كما يضم أكثر من 1200 مُتَطَوّع، ويُشرِف على إدارة 10 خطط و9 برامج في قطاعات مختلفة ذات صلة بعمل الوحدة 8200 والمجالات التي يعمل فيها أعضاؤها.
1. 8200Climate
يضم مُنتَدى المناخ مجموعة من خرّيجي الوحدة 8200، ويهدف لتسخير مَعارفهم وخُبراتهم ومهاراتهم الرياديّة في قطاعات التكنولوجيا المختلفة لمُعالَجة أزمة المناخ في إسرائيل وحول العالَم، وذلك بهدف تحويل إسرائيل إلى قوّة رائدة في مجال تكنولوجيا المناخ حول العالَم، وذلك من خلال تطوير حلول تكنولوجية عبر توفير: التوجيه المهني، التواصل مع الخُبراء حول العالَم، والمساعدة في تجنيد التمويل لهذه المشاريع، بهدف قيادة إسرائيل إلى طليعة الابتكار في هذا المجال. يَنظُر المُنتَدى إلى أن هذه الأزمة تشكّل فرصة لإسرائيل التي يَنظُر إليها باعتبارها "دولة الشركات الناشئة" في التقدّم عالَمياً؛ وفي الوقت نفسه، يضمن لأصحاب المشاريع والحلول أرباحاً ماليّة طائلة، وذلك على الرّغم من محدوديّة المَوارد؛ إلّا أنها استطاعت أن تُطَوّر حلولاً رائدة في مجالات تحلية المياه والريّ بالتنقيط... إلخ، وذلك بتوظيف مجالات الذكاء الاصطناعي والبيانات والروبوتات.
2. 8200Career
لا تتوفّر الكثير من التفاصيل والبيانات حول هذا المُنتَدى سوى أنه أشبه بمركز للتطوير المهني والتوظيف، والذي يطرح قائمة بالوظائف التي يُمكِن لخرّيجي الوحدة الالتحاق بها في السوق الإسرائيلية، ومُقتَرحات واستشارات مهنيّة.
3. 8200Bio
يُرَكّز هذا المُنتَدى على تطوير الاختبارات والابتكارات في عالم الطبّ وعلوم الأحياء، وذلك من خلال عِلم الأحياء الحاسوبي والذكاء الاصطناعي والدمج بين عِلم الأحياء وعِلم الحاسوب الذي يتضمّن إقامة شراكات بين عُلماء البيانات والأحياء والأطبّاء والباحثين مع خرّيجي الوحدة لتوظيف مهاراتهم في المجالات التي يعرفونها، لتطوير هذا المجال في إسرائيل وحول العالَم.
4. 8200Gov
يضم هذا المُنتَدى خرّيجي الوحدة العاملين في القطاع الحكومي: الدوائر الحكومية، السلطات المحلية، القضاء، البرلمان، وأولئك الراغبين والمؤهّلين للعمل في هذا القطاع، حيث يُوَفّر مساحة لتنمية رأس المال البشري للوحدة وخبراتهم التكنولوجية لتطوير القطاعات المذكورة، وتمويل المشاريع اللازمة لذلك.
5. 8200MidEast
يضم المُنتَدى خرّيجي الوحدة 8200 المهتمّين بالعالَم العربي ككل، والفلسطينيين العرب في إسرائيل. يسعى البرنامج إلى تطوير الابتكارات التكنولوجية في سياق دراسة اللغة والثقة والمجتمع والعالَم العربي، وذلك من خلال الخُبرات التي راكَمَها أعضاء الوحدة المهتمّون في هذا المجال، عدا عن رؤيته بضرورة "تطوير الثقة بين القطاعين اليهودي- العربي"، كما ورَد في تفاصيل البرنامج.
6. برنامج الحزم
لا يتوفّر الكثير عن طبيعة هذا المُنتَدى سوى أنه يُقَدّم حُزَماً من المنح والوظائف لخرّيجي الوحدة للعمل على تطوير السوق الإسرائيلية في قطاعات التكنولوجيا والأمن السيبراني والمجالات الرقميّة والذكاء الاصطناعي، من خلال توفير منصّة مشتركة لكافّة خرّيجي الوحدة المُنخَرِطين في القطاعات المذكورة في إسرائيل وحول العالَم.
7. 8200Abroad
يضم هذا المُنتَدى خرّيجي الوحدة المُنتَشرين حول العالَم، والذين ينخرط غالبيّتهم في قطاعات الشركات الناشئة ومجالات الابتكار والتطوير التكنولوجي، حيث تمكّن غالبيّتهم من الانطلاق للسوق العالميّة في هذه المجالات بفضل الخبرات التي راكموها خلال خدمتهم في الوحدة.
رؤية المُنتَدى: من أجل المجتمع الإسرائيلي!
كما أُشيرَ أعلاه، فإن الهدف من هذا المُنتَدى هو تسخير الخبرات ورأس المال الكبير الذي يمتلكه خرّيجو الوحدة 8200 لتطوير وتعزيز قدرات المجتمع الإسرائيلي في المجالات المختلفة. ولهذا الغرَض، أنشأ المُنتَدى شبكة من البرامج التكنولوجية والاجتماعية في ثلاثة مجالات رئيسية: ريادة الأعمال التكنولوجية، والتوظيف والتطوّر المهني، والتعليم التكنولوجي.
1. ريادة الأعمال التكنولوجية - 8200 For Startups
يعمل هذا البرنامج منذ العام 2009، كمُحَرّك أساس لابتكار وتطوير وتسريع شركات روّاد الأعمال الذين لم ينخرطوا في الوحدة 8200 لكنهم خدموا في وحدات أخرى من الجيش. في هذا البرنامج، أنشأ المُنتَدى برامج في مرحلة الفكرة (IDEATION) ، والتسريع (Acceleration)، وما بعد التسريع (دعم الشركات في مراحل النمو المُبكِرة)، لإدارة عملية تأسيس الشركات الناشئة في مجالات متنوّعة وتشجيع روّاد الأعمال من الفئات المهمّشة على تأسيس شركات ناشئة. يضم البرنامج مجموعة من المسارات المتنوّعة: 8200EISP، 8200BETA، LEAP، SCOTCH، 8200GLOBAL، و8200ANGELS.
لنأخذ على سبيل المثال مسار 8200EISP، الذي ينشغل في دعم الشركات الناشئة التي يؤسّسها أعضاء وخرّيجو الوحدة الجُدُد ووحدات الجيش الأخرى، وذلك من خلال توفير حاضنة لمسار تطوير الأفكار والمشاريع والابتكارات وتمويلها وإرشادها، وصولاً إلى السوق الإسرائيلية والعالَميّة. أنشىء المسار قبل 15 عاماً، وقدّم تمويلاً لأكثر من 230 مشروع لفكرة بقيمة 1.5 مليار دولار؛ وهو ما ساهم في تثبيت أكثر من 16 شركة ناشئة متطوّرة تعمل في السوق الإسرائيلية والعالَميّة، وَفَرّت وظائف لأكثر من 2200 شخص.
أما مسار 8200GLOBAL فيعمل على تشبيك علاقات خرّيجي الوحدة الذين يعكفون على إطلاق مبادراتهم وابتكاراتهم في المجالات المتنوّعة مع أهم القطاعات النظيرة في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك من خلال برنامج عمل وتعليم مشترك يمتد لأشهر في الولايات المتحدة، يتضمّن تطوير الأفكار، تقديم الاستشارات، وتوقيع الشراكات بهدف التطوير والدخول إلى سوق العمل الأميركية. بحسب المُعطَيات، فإن أكثر من 75% من الشركات الناشئة النشِطة استفادت من هذا البرنامج؛ وقد قدّم تمويل 430 مليون دولار لأكثر من 60 خرّيج من الوحدة.
2. التوظيف والتقدّم المهني
يستفيد هذا البرنامج من رأس المال البشري الذي يمتلك خبرات كبيرة في مجالات التكنولوجيا والابتكارات المتنوّعة، ويُدير توظيفهم في القطاعات المختلفة بحُكم شبكة العلاقات التي بات أعضاء المُنتَدى يمتلكونها من خبراتهم في سوق الابتكارات والتكنولوجيا وريادة الأعمال والتكنولوجيا الفائقة؛ ويضم مسارات ثلاثة: 8200 للشركات الصغيرة، iMtech، WOMAN 2 WOMAN، ومسار تشغيل الشباب في المناطق المُهَمّشة والقدس.
3. التعليم التكنولوجي
يُقَدّم المُنتَدى أيضاً خدمات التعليم التكنولوجي التي تستهدف الطلَبة المتفوّقين في مراحل عمريّة مُبكِرة؛ بالإضافة إلى تعزيز التعليم التكنولوجي في المناطق النائية والأقلّ حظاً اجتماعياً وجغرافياً، ودفعها باتجاه الانخراط في بيئة العمل التكنولوجي بالاستفادة من خبرات أعضاء المنتدى وشبكة علاقاتهم في السوق الإسرائيلية والعالميّة؛ ويضم برامج عديدة، منها: TechLift 8200 الهادف لتعزيز التفكير الإبداعي والتكنولوجي لفئة الطلّاب بمراحلهم العمريّة المختلفة.
نحو مليارات الدولارات من داخل غُرَف الوحدة 8200!
تُشيرُ المُعطَيات المتوفّرة على الشبكة، أن العديد من الذي خدموا في وحدة 8200 تمكّنوا خلال فترة تواجدهم في الخدمة، وبعد تخرّجهم منها، من تأسيس شركات رائدة للتكنولوجيا الفائقة في المجالات المختلفة، وذلك بمساعدة كبيرة قدّمها لهم مُنتَدى الخرّيجين.
على سبيل المثال، أكّد أفيشاي أبراهامي، وهو أحد خرّيجي الوحدة 8200 في مجال الأمن السيبراني والاستخبارات، أنه شارك في تأسيس شركة (Wix) التي تُعَدّ حالياً من أبرز منصّات تطوير المواقع الإلكترونية السحابيّة في العالَم، وتبلغ قيمتها السوقيّة مليار دولار، مُضيفاً: "من جيلي وحده، هناك أكثر من مئة شاب أعرفهم من الوحدة بشكل شخصي، أنشأوا شركات ناشئة وباعوها في مقابل مبالغ طائلة. كانت هناك مجموعة من 10 أشخاص داخل الوحدة في غرفة واحدة، أطلَقتُ عليها اسم الغرفة السحريّة، لأن جميعهم أنشأوا شركات يبلغ متوسّط قيمتها السوقيّة نصف مليار دولار".
فيما أشار رون ريتر البالغ من العمر 31 عاماً، وهو خرّيج آخر من الوحدة 8200، إلى أنه قد تمّ شراء شركته الناشئة من قِبَل شركة (Oracle) بقيمة 50 مليون دولار؛ مؤكّداً أن أحد زملائه أيضاً استطاع بيع شركته الناشئة لشركة Apple في مقابل 300 مليون دولار، وآخر لشركة (Cisco) بقيمة 500 مليون دولار؛ وكلاهما كانا زملاءه في نفس الغرفة خلال خدمتهم في الوحدة 8200.
وفي السياق نفسه، قَدّرَت فوربس قبل قرابة 10 أعوام، أن أكثر من 1000 شركة تمّ تمويلها من قِبَل مُنتَدى خرّيجي الوحدة 8200، من Waze إلى Check Point إلى Mirabilis الشركة الأم لـ ICQ . كما أن الشركات العالميّة الكبرى تعمل باستمرار على الاستحواذ على الشركات والتقنيّات الناشئة التي يُطَوّرها أعضاء وخرّيجو الوحدة 8200. وقد فعلت ذلك شركة Microsoft حينما اشترَت شركة Adallom (شركة متخصّصة في خصوصية البيانات) مقابل 320 مليون دولار؛ كما اشترَت شركة Facebook شركة تحليل بيانات الهواتف النقالة Onavo في مقابل حوالي 150 مليون دولار، و PayPal التي اشترَت شركة CyActive التي تعمل على التنبّؤ بالاختراق مقابل 60 مليون دولار؛ وهي أمثلة على التشبيك بين السوق الإسرائيلية في هذا المجال والسوق العالميّة التي يعمل عليها مُنتَدى خرّيجي الوحدة 8200 منذ سنوات طويلة.
