التصنيفات » مقالات سياسية

تداعيات قضية تسريب المُدّعية العسكرية الإسرائيلية العامّة شريط فيديو التعذيب في "سديه تيمان"
تداعيات قضية تسريب المُدّعية العسكرية الإسرائيلية العامّة شريط  فيديو 
التعذيب في  "سديه تيمان"
المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيليّة 
10 نوفمبر 2025
• عبد القادر بدوي
تُشَكّل قضيّة تسريب الفيديو الذي يُظهِر مشهد اغتصاب أسيرٍ فلسطيني من قطاع غزة اعتُقِل بعد هجوم 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023 داخل معتقل "سديه تيمان"، واحدة من الأزَمات التي يُواجِهُها النظام القضائي العسكري في إسرائيل منذ سنوات طويلة. لا تكمُن خطورة الحدَث إسرائيلياً في الواقعة الأخلاقية والقانونية لجريمة الاغتصاب؛ بل أن النقاش حولها مُرتبط بالشُبُهات التي تُلاحِق المُدّعية العسكرية العامّة وطاقم المكتب بالتورّط في تسريب المادّة المُصَوّرة، ومُحاوَلة التستّر على التحقيق؛ بل وتضليل جهات قضائية عليا، بما في ذلك المحكمة العليا، خاصّة بعد حادثة انقطاع الاتصال المؤقّت مع المُدّعية العسكرية العامّة، يفعات يروشالمي، قبل عدّة أيام.
يَدور النقاش الإسرائيلي حول هذه القضية في إسرائيل على اعتبار القضية تُشَكّل محطّة قد تمسّ جوهر العلاقة بين المؤسّسات العسكرية والقضائية والسياسية، وتضرب الثقة العامّة في قدرة الجيش على إنفاذ القانون داخل منظومته. وعلى الرّغم من أن التحقيق في القضية  لم يَنتهِ حتى إعداد هذه المُساهَمة، فإنّ تداعياتها تجاوزَت البُعد القانوني المباشر لتَتحوّل  إلى أزمة ثقة مؤسّساتيّة، وأن المنظومة القضائية والعسكرية أمام اختبار ثقة بمُعالَجة مسألة التسريب وتعيين مُدّعي عام عسكري جديد، كخطوة يُنظَر إليها كشرط أساسي لاستعادة ثقة الجمهور الإسرائيلي بالنظام القضائي العسكري وضمان استقراره لاحقاً.
هذه المُساهَمة تُقَدّم قراءة مُوَسّعة في دراسة إسرائيلية أعَدّها عيران شامير بورير حول القضية، وهو سبَق له أن شغَل مناصب عدّة في مجال القانون الدولي في النيابة العسكرية الإسرائيلية، ويشغل منصب رئيس معهد أبحاث الأمن القومي والديمقراطية منذ العام 2022. وتنشغل في الإجابة على أسئلة عديدة، مثل: ما هي خلفيّة استقالة النائبة العامّة العسكرية، وما هي الادّعاءات المُوَجّهة ضدّها وضدّ آخرين في المكتب؟ ما هي إجراءات تعيين مُدّعي عام عسكري جديد، والتحدّيات التي تُشَكّلها هذه الحادثة على "سيادة القانون" والقدرة على حماية جنود وقادة الجيش الإسرائيلي من المُلاحقات القانونية على الساحة الدولية؟
جديرٌ بالذّكر هنا أن الأفكار والمُصطَلحات الواردة أدناه مصدرها الدراسة نفسها، ولا تُعَبّر عن وجهة نظَر مركز مدار أو كاتب المُساهَمة.
في البداية، تُشير الدراسة  إلى أن قضيّة تسريب مقطع مُصَوّر من مُعتَقل "سديه تيمان" خلال حرب الإبادة (في منتصف 2024) وَثّقت عملية الاغتصاب (وهو ما لم يَرِد في الدراسة، حيث أبقَت عليها بوصفها اعتداء)، أدّت إلى ثلاثة حوادث مختلفة مطروحة حالياً على الأجندة العامّة والقانونية في إسرائيل، سيتناول التقرير النقطة الثالثة بشكل مُوَسّع:
1. حادثة الاعتداء نفسها: وهي قَيْد التحقيق حالياً في المحكمة العسكرية، حيث وُجّهَت لوائح اتهام ضدّ خمسة من المتورّطين، تتّهمهم بالاعتداء الجسيم والإساءة الجسيمة؛
2. اقتحام وزير وأعضاء كنيست وحشد كبير من الجمهور لقواعد الجيش احتجاجاً على التحقيق مع المُشتَبه بهم في حادثة الاعتداء- يخضع لتحقيقات شرطة بطيئة، حيث رفَض بعض المتورّطين المُثول للاستجواب؛
3. تسريب مقطع فيديو "يُزعَم أنه يُوَثّق الاعتداء"، وما أعقَبه من شكوك بالتستّر والخداع.
خلفيّة عامّة 
في 29 تشرين الأوّل 2025، أعلن المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي أنه تمّ فتح تحقيق جنائي في نشر الفيديو من معتقل "سديه تيمان"، وأنه يجري التحقيق في تورّط عناصر من مكتب الادّعاء العام العسكري. وفي هذه المرحلة، وافق رئيس الأركان على طلب المُدّعية العسكرية العامّة، اللواء يفعات تومر يروشالمي، بأخذ إجازة ريثما تتّضح تفاصيل أخرى في الموضوع. في الوقت نفسه، أعلنت المُستشارة لرئيس الحكومة أن التحقيق الجنائي قد فُتِحَ بناءً على معلومات ورَدت مؤخّراً، وأن قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة الإسرائيلية يُجريه بمساعدة مكتب المُدّعي العام للدولة؛ وقد قُدّم تحديث بشأن فتح التحقيق إلى المحكمة العليا. في اليوم نفسه، أعلَن وزير الدفاع يسرائيل كاتس أنه "يُرَحّب بالقرار ويدعمه- فهذه قضية خطيرة خلقَت تشهيراً دموياً بحقّ جنود الجيش الإسرائيلي في إسرائيل وحول العالَم، ويجب فحصها والتحقيق فيها على أكمَل وجه". وفي منشور آخر للوزير في نفس اليوم، أشار إلى أن "هذه واحدة من أخطَر افتراءات الدم ضدّ جنود الجيش الإسرائيلي، ممّا يُعَرّضُهم للملاحقة والدعاوى القضائية في جميع أنحاء العالَم. لن تعود المُدّعية العسكرية العامّة إلى منصبها ما دام التحقيق في القضية قَيْد التحقيق؛ وعند الانتهاء منه، سنتَصرّف وفقاً للنتائج".
في المقابل، أبلَغت يروشالمي، في 31 تشرين الأوّل 2025، رئيس أركان الجيش إيال زامير، رغبتها في الاستقالة من منصبها في رسالة نُشِرَت في وسائل الإعلام. وقد أقَرّت حينها أنها وافقت على نقل الفيديو من "سديه تيمان" إلى وسائل الإعلام، وأنها تتحمّل المسؤولية الكاملة عن ذلك؛ لكنها امتنعت عن التطرّق إلى "مزاعم إضافيّة أُثيرَت بشأن التستّر على التحقيق في تسريب الفيديو والتقرير الكاذب المُقَدّم إلى المحكمة العليا في هذه القضية". من جهته، وافَق زامير على طلب الاستقالة فوراً، مُتَعَهّداً بالعمل "على استقرار النيابة العسكرية وحماية جنود الجيش الإسرائيلي"، بحسب تصريحاته. وقد أعقَب ذلك بيان مشترك لكاتس وزامير بعد ساعات حول الاتفاق على إعداد قائمة للمُرَشّحين الموصى بهم للمنصب وفقاً لقانون القضاء العسكري في إسرائيل، لمواجهة "التحدّيات الكبيرة التي تُواجِه النيابة العسكرية في الوقت الحالي"، وفي مقدّمتها "حماية جنود الجيش".
التّهم المُوَجّهة للمُدّعية العسكرية العامّة ومسؤولين كبار في النيابة
تُشير الدراسة إلى أن هناك عدّة شكوك رئيسية مُوَجّهة ضدّ المُدّعيَة العسكرية العامّة ومسؤولين آخرين في محيطها:
1. تسريب الفيديو إلى مُراسِل القناة 12 الإسرائيلية:  يتضمّن الفيديو لقطات من كاميرات المراقبة في معتقل "سديه تيمان"، يُظهِر إساءة معاملة أحد المعتقلين {لا تُقِرّ الدراسة حالة الاغتصاب وتكتفي للإشارة لها بإساءة المعاملة}؛ وهو جزء من مواد التحقيق في القضية الجنائيّة المرفوعة ضدّهم، وقد بثّه الصحافي غاي بيليغ يوم 6 آب 2024.
2. "التحيّز" و"التضليل" في الفيديو:  تُشير الدراسة إلى أن المقطع المُصَوّر الذي بثّته القناة الـ 12 يجمع بين مقطعي فيديو مختلفين، أحدهما جزء من لقطات "إساءة معاملة المعتقل الفلسطيني"، والآخر لقطات لمعتقل آخر تمّ تصويره في يوم مختلف. هناك مزاعم أن تحرير الفيديوهات كان يهدف إلى تعزيز الانطباع بخطورة أفعال المتّهمين بالاعتداء، ممّا يزيد من الضرَر العام عليهم وعلى دولة إسرائيل أيضاً؛ كما كان يهدف إلى التأثير على سَيْر التحقيق ضدّهم وفقاً للدراسة.
3. التستّر والتشويش على مصدر التسريب:  في أعقاب نشر الفيديو المُصَوّر والضرَر الذي تسبّب به للجيش، شُكّل فريق تحقيق أوّلي في الجيش برئاسة نائب النائب العسكري، وضمّ في عضويّته ضابطاً من الشرطة العسكرية وجهات أخرى لم تكن مُشارِكة في التحقيق في الجرائم المُشتَبه بها في "سديه تيمان". تُشير الدراسة إلى أن هذا الإجراء كان بمثابة تحقيق أوّلي في إطار تحقيق جنائي أجراه مسؤولون في مكتب المُدّعي العسكري العام والشرطة العسكرية بإشراف مسؤولين من خارج الجيش؛ ويُواجِه مزاعم بأن الهدف منه كان التستّر على مصدر التسريب والتشويش، وأن الفريق لم يتحرّك عملياً للكشف عن الحقيقة، حيث خلص الفريق بعد أشهر عديدة، إلى أنه لا يمكن تحديد مصدر التسريب، وأوصى بإغلاق التحقيق. وقد حدَث كلّ ذلك في الوقت الذي كانت تعلم فيه المُدّعية العسكرية العامّة والمُقَرّبين منها بمصدر التسريب طوال التحقيق.
4. بلاغ كاذب للمحكمة العليا بشأن التحقيق في مصدر التسريب: بعد تسريب المقطع المُصَوّر، قُدِّمت عدّة التماسات إلى المحكمة العليا، بما في ذلك من قِبَل بعض المُشتَبه بهم في ارتكاب الاعتداء، طُلِبَ فيها من المحكمة أن تأمر بفتح تحقيق جنائي أو تأديبي في تسريب الفيديو، وليس من خلال مكتب المُدّعي العسكري أو الشرطة العسكرية، نظَراً لما اعتبروه "تضارب مصالح". وقد رَدّت المحكمة بأن الأطراف المُشارِكة في التحقيق الأوّلي "لا يَنطبِق عليها التأثير بتضارب المصالح، وأن نائب المدّعي العسكري على اتصال بالمستشارة القانونية للحكومة بشأن القضية، وأنه خلافاً لموقف مُقَدّمي الالتماسات، اطّلَعَت جهات عديدة على الفيديو قبل تسريبه، ممّا صَعّب تحديد مصدر التسريب". في 16 أيلول 2025، أُبلِغَت المحكمة بأن عملية التحقيق الأوّلي قد انتهت، وأنه لا يُمكِن اتخاذ أيّ إجراءات تحقيقيّة أخرى، وأنه تَبَيّن أنه لا يوجد أساسٌ لمزيد من الإجراءات الجنائيّة. تُشير الدراسة إلى أن الشكوك المُوَجّهة ضدّ المُدّعية العسكرية العامّة، وربما ضدّ جهات أخرى في محيطها، تتمثّل في تضليلهم عمداً الجهات القضائية، بما في ذلك المحكمة العليا والمستشارة القانونية للحكومة، وذلك لأنهم كانوا على دراية تامّة به بالتسريب طيلة هذه الفترة.
تُشير الدراسة إلى أنه وبالتزامن مع إجراءات المحكمة، كانت هناك نقاشات حادّة في لجنة "الدستور والقانون والقضاء" التابعة للكنيست، وذلك بعد أن بادر عدد من أعضاء الكنيست من كتل الائتلاف الحاكم لفتح القضية تحت عنوان "تزوير وتسريب فيديو سديه تيمان". وقد صرّح حينها نائب المُدّعي العسكري بأن فريق التحقيق الأوّلي التابع لمكتب المُدّعي العسكري الذي يترأسه هو يعمل بجدٍ لإتمام عمله في أسرع وقتٍ ممكن، مؤكّداً حينها أنه لا يتولّى التحقيق في قضية الاغتصاب (الاعتداء) في "سديه تيمان"؛ وبالتالي لا يوجد شكوك حول "تضارب المصالح" يُبَرّر نقل التحقيق في مصدر التسريب من مكتب المُدّعي العسكري إلى هيئة تحقيق خارجية. ولهذا السبب، برزَت في الأيام الأخيرة مواقف أكّدت أن نائب المُدّعي العسكري غير مؤهّل لتولّي منصب القائم بأعمال المُدّعي العسكري نظَراً لمنصبه كرئيس لفريق التحقيق الأوّلي.
إجراءات تعيين مُدّع عسكري عام جديد
تُشير الدراسة إلى أن منصب المُدّعي العسكري يلعب دوراً حيوياً في الجيش والنظام القضائي، وصلاحياته ومسؤولياته منصوص عليها في قانون القضاء العسكري، ويتمتّع بصلاحيّات واسعة النطاق في مجال إنفاذ القانون في ما يتعلق بأفراد الجيش. كما يخضع المُدّعي العام العسكري لـ "التوجيه المهني" للمستشار القانوني ولـ "رأيه القانوني"؛ وقد ترسَّخ هذا المبدأ منذ سنوات عديدة في حُكم صادر عن المحكمة العليا. ينص قانون الجيش صراحةً على أنه على الرغم من تبعيّة النائب العام العسكري لرئيس الأركان وانتمائه للقيادة العليا لهيئة الأركان العامة، فإنه في الأمور المهنيّة "لا يخضع إلّا للقانون". ومن هنا يأتي ضمان استقلال النائب العام العسكري بصفته "حارساً مركزياً" واستقلاله عن مسؤوليه في قيادة الجيش. من ناحية أخرى، تتجلّى أهمية ضمان "استقلال النائب العام العسكري" المهني عن رؤسائه أيضاً في طريقة تعيينه، التي نُظّمَت قانوناً بشكل مُحَدّد منذ سنوات عديدة، وكانت موضوع مناقشات اللجان العامّة على مدار العقد الماضي.
خلاصة التعليمات أن عملية التعيين لنائب عام عسكري جديد تقع على عاتق وزير الدفاع كاتس، بناءً على توصية من رئيس الأركان. إلّا أن العديد من التقارير الإعلامية في الأيام الماضية أفادت بأنه يجري النظر في مرشّح خارجي لمنصب المُدّعي العام العسكري، وهو الأمر الذي قد تترتّب عليه سوابق جديدة، إلّا إذا لبّى التعيين الجديد شرط أن يكون المُدّعي العام العسكري "مُحامِياً عسكرياً"، وضابطاً يتمتّع بخبرة قانونية لا تقلّ عن أربع سنوات. بعبارة أخرى، إن تعيين مرشّح خارجي مشروط بتوصية المُدّعي العام العسكري (أو نائبه) بتعيينه "محامياً عسكرياً" كشرط أساسي؛ وهو أمر قد يكون مُعَقّداً في الظروف الحالية والخلافات القائمة بين الأطراف المذكورة؛ وهو ما يُثير خشية حقيقية في الأوساط القانونية في إسرائيل.
في المقابل، تُشير الدراسة إلى أن ثمّة تعقيداً آخر يتعلّق بمسألة تعيين مُدّعي عام عسكري مؤقّت؛ ويعود ذلك إلى المنشورات التي تفيد بأن رئيس الأركان لا يريد أن يشغل نائب المُدّعي العام العسكري الحالي منصب القائم بأعمال المُدّعي العام العسكري في ضوء تورّطه المحتمل في قضية التسريب والشبهات المُشار إليها أعلاه، وذلك استناداً إلى القانون الذي ينصّ صراحة على تولّيه المنصب لفترة حتى تعيين آخر جديد؛ وهو ما يفتح العديد من الأسئلة حول قانونيّة الإجراءات المُرتقَبة في ضوء تعقيد المشهد الحالي.
التداعيات العامّة والقانونية للقضية
تُشير الدراسة إلى أن الدعوات الإسرائيلية من داخل الدوائر القانونية والعسكرية لتعيين مُدّعي عام عسكري جديد يتمتّع بالكفاءة القانونية والنزاهة الأخلاقية وبآليّة اختيار تضمن الحياد التام وتجنّب أيّ تسييس للمنصب، تضع المؤسسة الإسرائيلية برمّتها أمام اختبار هو الأوّل من نوعه بسبب حساسيّة المنصب. كما أن التجاذبات السياسية الأخيرة، ولا سيما تصريحات وزير الدفاع كاتس، أثارَت قلَقاً واسعاً حيال تدخّل السلطة السياسية في مسار التعيين والإجراءات القضائية، إذ أصدَر الوزير في 29 و31 تشرين الأوّل 2025 سلسلة من البيانات التي تَجاوَز فيها صلاحيّاته القانونية، حين أشار إلى "إقالة" يروشالمي، رغم أن القانون لا يمنحه هذه الصلاحيّة، بل يضعها حصرياً بيد رئيس الأركان، وبموافقة المستشارة القانونية للحكومة.
تُشير الدراسة إلى أن مثل هذه السلوكيّات لا يُمكِن التعاطي معها بوصفها مجرّد تجاوز إداري، بل تُنذِر بالمساس بمبدأ استقلال النيابة العسكرية، الذي يُعَدّ أحد الأُسس التي يرتكز عليها النظام القضائي العسكري الإسرائيلي. وهذا الأمر إذا ما استمرّ بنفس الطريقة فقد يُقَوّض قدرة إسرائيل على الدفاع عن نظامها القضائي أمام الهيئات الدولية وحماية جنود الجيش، خاصّة المحكمة الجنائية الدولية، التي تمنح الأولويّة للتحقيقات المحليّة المستقلّة قبل التدخّل الخارجي. بعِباراتٍ أخرى، تُشير الدراسة إلى أنه في حال انتُهِكَت استقلاليّة منصب المُدّعي العام العسكري، أو ثبت وجود تسييس في معالجة قضايا تتعلّق بانتهاكات ضدّ الفلسطينيين (كما في الحادثة المطروحة)، فإن إسرائيل قد تفقد حجّتها الرئيسية بأن نظامها قادر على التحقيق الذاتي الفعّال في انتهاكات مُحتَملة لقوانين الحرب.
في الختام، تؤكّد الدراسة أن مُجرَيات الأحداث في هذه القضية (تسريب المقطع وليس حادثة الاغتصاب) تجاوزت الطابع الداخلي للمؤسّسة العسكرية؛ وهي تتحوّل إلى اختبار لمَتانة النظام الدستوري الإسرائيلي أمام العالَم، وذلك لأن المجتمع الدولي، وخاصّة في السياقات المتعلّقة بجرائم الحرب، يعتمد إلى حد كبير على "مصداقيّة القضاء العسكري الإسرائيلي كمؤسّسة قادرة على المُحاسَبة الذاتيّة"، وذلك يعني أن أيّ مساس بهذه "المصداقيّة" سيُضعِف موقف إسرائيل في المحافل القانونية الدولية؛ وقد يفتح الباب أمام مُلاحقات خارجية بحقّ ضبّاطها وجنودها، وذلك عدا عن تداعيات هذه الأزمة - في حال لم تُعالَج بالشكل القانوني المناسب - على الجيش، والمجتمع الإسرائيلي أيضاً، في ظلّ حالة الاستقطاب السياسي الداخلية والصراع على القضاء في إسرائيل.

2025-12-01 11:10:58 | 52 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية