تقرير مُراقِب الدولة حول هجوم 7 أكتوبر: إسرائيل تفتقر إلى "مفهوم رسمي للأمن القومي"
تقرير مُراقِب الدولة حول هجوم 7 أكتوبر: إسرائيل تفتقر إلى "مفهوم رسمي للأمن القومي"
المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيليّة
24 نوفمبر 2025
• ياسر مناع
عشيّة إعلان الحكومة الإسرائيلية عن تشكيل لجنة تحقيق وزاريّة في هجوم 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، كانت الساحة السياسية تشهَد جدَلاً مُتَصاعِداً حول طبيعة التحقيق والجهة المُخَوّلة بقيادته. ووفقاً لما نقلَته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فقد صادَقت الحكومة في جلستها بتاريخ 16 تشرين الثاني 2025 على قرار إنشاء اللجنة، بعد إبلاغ تسعة وزراء كانوا قد دعموا خلال الحرب فكرة تشكيل لجنة تحقيق رسمية، ثم تراجعوا لاحقاً وفَضّلوا لجنة وزارية برئاسة وزير العدل ياريف ليفين. ويبرز من بين أعضاء اللجنة وزير الماليّة بتسلئيل سموتريتش. [1] وتمّت الإشارة إلى أن اللجنة ستعمل خارج الإطار القانوني للجان التحقيق الرسمية المعمول بها في النظام الإسرائيلي، وهو ما أثار موجة واسعة من الانتقادات.
وتزامَن هذا الجدَل مع صدور تقرير مُراقِب الدولة المُخَصّص لفحص أحداث السابع من أكتوبر، والذي أظهر وجود إخفاقات بنيويّة عميقة في منظومة الأمن القومي. [2] ورغم أن الجيش الإسرائيلي أجرى سلسلة من التحقيقات الداخلية ونشَر أجزاء منها، إلّا أن المطالب بتشكيل لجنة تحقيق رسمية بصلاحيّات كاملة تشمل استدعاء الشهود، والاطّلاع على الوثائق السريّة، وتحديد المسؤوليات المباشرة، واصلَت التوسّع.
وفي هذا السياق، ناقش الكنيست في 10 تشرين الثاني 2025، مُقتَرح المعارضة الداعي إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية مستقلّة لا تخضع للحكومة. غير أنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ربَط موافقته على المُقتَرح بتوفّر توافق وطني وإجماع شعبي واسع، وهو شرطٌ اعتبرته المعارضة محاولة واضحة للتهرّب من تشكيل لجنة تحقيق مُلزِمة، بما تفرضه من مسؤوليات واستحقاقات.
تسعى هذه المساهمة إلى استعراض تقرير مُراقِب الدولة في إسرائيل، الصادر في 11 تشرين الثاني 2025، والذي يتناول غياب مفهوم رسمي للأمن القومي الإسرائيلي والآثار البنيويّة المُتَرَتّبة على ذلك، مُضافاً إلى انهيار مرتكزات الأمن القومي خلال هجوم 7 أكتوبر 2023. كما تستعرض المساهمة الاستنتاجات المركزيّة التي خلص إليها التقرير.
غياب مفهوم رسمي للأمن القومي
يرى تقرير مُراقِب الدولة أنّ أحد أعمق الإخفاقات البنيويّة التي سبقت أحداث السابع من أكتوبر 2023، يتمثّل في غياب مفهوم رسمي ومُلزِم للأمن القومي في إسرائيل، رغم مركزيّة هذا المفهوم في ضبط العلاقة بين المستوى السياسي ومنظومة الأمن، وفي توجيه بناء القوّة العسكرية، وفي تحديد أولويّات تخصيص المَوارِد. ويُشير التقرير إلى أنّ مفهوم الأمن القومي يُفتَرَض أن يكون في الدول المتقدّمة، ويجب أن يُحَدّد المصالح الوطنية، ويصوغ الأهداف العليا، ويرسم سلّم أولويّات استراتيجي، وُيوَفّر لغة مشتركة بين القيادة السياسية والمؤسّسة الأمنيّة، ويضمن التنسيق المنهجي بين أجهزة الجيش والاستخبارات والأمن الداخلي.
لكنّ إسرائيل، منذ عقيدة دافيد بن غوريون في خمسينيّات القرن الماضي، اعتمَدت على مفهوم غير مكتوب وغير مُصادَق عليه رسمياً، يقوم على أربعة مبادئ: الردع، والإنذار، والدفاع، والحسم. ورغم الاعتراف المتكرّر بأهميّة تحديث هذا المفهوم، ورغم المحاولات التي جرَت بين 1998 - 2021، إلّا أنّ التقرير يؤكّد أنّ أيّاً من هذه الرؤى لم تُعرَض على الكابينيت أو الحكومة للمُصادَقة النهائيّة.
ويرى التقرير أنّ غياب هذا المفهوم المُلزِم يعود إلى أن اعتماد استراتيجيّة رسمية يفرض على المستوى السياسي تحديد أولويّات حسّاسة، واتخاذ قرارات صعبة بشأن توزيع المَوارِد، والدخول في دائرة مُساءلة علنيّة أمام الجمهور. ولذلك، فضّلت الحكومات والائتلافات المُتَعاقِبة الامتناع عن المُصادَقة على وثيقة استراتيجيّة تُقَيّد حركتها، رغم الاعتراف المتكرّر بأهميّتها. حتى مُبادَرة بنيامين نتنياهو في 2017 - 2018، التي عُرِضَت على الأجهزة الأمنيّة ووُجّهَت بناءً عليها تعليمات محدّدة، لم تُستَكمَل، ولم تُعرَض للمُصادَقة، ولم تتحوّل إلى وثيقة شاملة تفرض التزامات ماليّة وبنيويّة.
ويُشير تقرير المُراقِب إلى أنّ هذا الغياب أدّى إلى تآكل القدرة السياسية على توجيه الجيش الإسرائيلي وإدارته وفق رؤية استراتيجيّة طويلة المدى، وإلى اعتماد المؤسّسة العسكرية على فهمها الخاصّ للبيئة الأمنيّة، فتشكّلت خطط متعدّدة السنوات، مثل "جدعون" و"تنوفا"، من دون إطار وطني شامل يحدّد الأهداف العليا ويوجّه بناء القوّة. وقد خلق ذلك فجوات حادّة في التنسيق، وتناقضات في فهم التهديدات، وسمح لكلّ جهاز أمني بتطوير آليّات عمل مستقلّة مبنيّة على تفسيره الخاص لمهامه. وتؤكّد لجنة ناغيل 2024 أنّ الاتجاهات المركزية لمنظومة الأمن تحدّدها المؤسّسة العسكرية نفسها، وأن تأثير المستوى السياسي متأخّر وهامشي.
ويرى تقرير المُراقِب أنّه لو وُجِدَت عمليّة مُنتَظِمَة لصياغة مفهوم رسمي للأمن القومي، تُراجَع دورياً وتُحَدّث، لكان بالإمكان تحديد أولويّات واضحة للتعامل مع التحدّيات المتعدّدة الجبهات، وضبط العلاقة بين الأهداف والوسائل، وفحص مستوى الجاهزيّة الفعليّة للجيش، ومُعالَجة الفجوات في القدرات القتاليّة واللوجستيّة قبل تفاقمها. ويربط التقرير بين هذا الفراغ المفاهيمي وبين عدم قدرة إسرائيل على بلورة استراتيجيّة دفاعيّة ناجعة قبل 7 أكتوبر، خصوصاً فيما يتعلّق بحدود غزة ومنظومة الاستشعار والإنذار.
انهيار مبادئ الأمن القومي يوم 7 أكتوبر 2023
يؤكّد تقرير مُراقِب الدولة أنّ هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر شكّل انهياراً كاملاً لثلاثة من المبادئ الأربعة التي شكّلت أساس مفهوم الأمن القومي غير الرسمي في إسرائيل، وهي: الردع، الإنذار، الدفاع. أما المبدأ الرابع، الحسم، فلم تتّضح نتائجه حتى موعد انتهاء المُراجَعة.
ويشير التقرير إلى أنّ هجوم حماس دمّر الافتراض السياسي - العسكري السائد بأن الحركة مردوعة، وهي قناعة رسّخها رئيسا الوزراء نتنياهو ونفتالي بينيت، إضافة إلى بيني غانتس، الذين أكّدوا مراراً أنّ حماس مردوعة وغير راغبة في مواجهة واسعة. وقد قدّم رئيس الأركان السابق هرتسي هليفي ورئيس الشاباك السابق رونين بار، ومعهما رؤساء سابقون للاستخبارات والجيش، تقديرات مُشابِهة أكّدت أنّ المنظومات التكنولوجيّة والاستخباراتيّة قادرة على توفير إنذار مُسبَق لأيّ تهديد كبير.
غير أنّ تقرير المُراقِب يُشير بوضوح إلى أنّ جميع هذه الافتراضات انهارت دفعة واحدة يوم 7 أكتوبر. فلم يصدر أيّ إنذار مُسبَق عن أجهزة الاستخبارات، رغم وجود مؤشّرات سابقة وعمليّات تدريب واسعة لحماس. كما فشلت منظومة الدفاع متعدّدة الطبقات، والفرقة الإقليمية، والحواجز التكنولوجية، والجدار تحت الأرضي، والرادارات، والحاجز البحري، في منع اختراق آلاف المسلّحين للحدود خلال وقتٍ قصير، واقتحام 22 تجمّعاً و10 مواقع عسكرية.
ويرى التقرير أنّ هذا الانهيار لم يكن مجرّد حادث، بل نتيجة مباشرة لغياب رؤية استراتيجيّة تُحَدّد بدقّة العلاقة بين الردع والإنذار والدفاع. وقد خلقَت الثقة المفرطة بالإنذار صندوقاً مغلقاً من التفكير، جعل الدفاع الماديّ يعتمد على فرضيّة أن أيّ تحرّك مُعادٍ سيُكشَف مُسبَقاً. ويؤكّد التقرير أنّ عدم التوازن بين المبادئ الثلاثة هو أحد العوامل البنيويّة التي قادت إلى هجوم 7 أكتوبر.
كما نقَل تقرير المُراقِب تصريحات رسمية بعد الهجوم، إذ أعلَن نتنياهو في كانون الثاني 2024 أنّ 7 أكتوبر غَيّر جذرياً مفهوم الأمن الإسرائيلي؛ فيما أكّد وزير الدفاع يوآف غالانت أنّ الحرب الحاليّة ستكون نقطة تحوّل في صياغة مفهوم الأمن القومي. واعتبر مكتب رئيس الحكومة، في ردّه على المُراقِب، أنّ الهجوم يفرض فحصاً معمّقاً لصلاحيّة مفهوم الأمن خلال العقود الأخيرة.
توصيات تقرير المُراقِب لبناء مفهوم أمن قومي
يرى تقرير مُراقِب الدولة أنّ تجاوز إخفاقات 7 أكتوبر يتطلّب تحوّلاً بنيويّاً كاملاً في طريقة إدارة الأمن القومي في إسرائيل. ويُقَدّم التقرير سلسلة توصيات؛ ومن أبرزها:
1. صياغة مفهوم رسمي مكتوب للأمن القومي: يجب على رئيس الحكومة قيادة عملية شاملة، بالتعاون مع الكابينيت أو الحكومة، لصياغة مفهوم أمني يحدّد المصالح الوطنية والأهداف العليا وترتيب الأولويّات، ويصبح وثيقة مُلزِمة تُوَجّه كلّ أجهزة الدولة.
2. نشر المفهوم الرسمي للجمهور: على رئيس الحكومة نشر الوثيقة مُوَقّعة باسمه، بوصف ذلك تطبيقاً لمبدأ المساءلة، وبما يُشبِه المُمارَسات المُتّبَعة في الدول الغربية.
3. اعتماد المفهوم لتوجيه بناء القوّة وتشغيلها: يوصي التقرير بأن تستخدم المؤسّسة الأمنيّة المفهوم المُصادَق عليه كأساس للتخطيط طويل المدى، وتحديد احتياجات القوى البشرية، والمنصّات القتالية، والذخائر، والميزانيّات.
4. تعزيز الرقابة السياسية على المؤسّسة الأمنيّة: يؤكّد التقرير أنّ المفهوم الرسمي سيمنع اعتماد المؤسّسة الأمنيّة على آليّات مستقلّة لتفسير التهديدات، ويُعيد التوازن بين القرار السياسي والتقدير العسكري.
5. إعادة التوازن بين الردع والإنذار والدفاع: يرى المُراقِب ضرورة فحص التوازن الصحيح بين هذه المبادئ الثلاثة، لأنّ الإنذار لن يكون مُتاحاً دائماً، ولأنّ «خط التماس يمكن اختراقه دائماً»، ممّا يجعل تقوية قدرات الدفاع ضرورة أساسيّة.
6. المُراجَعة الدوريّة للمفهوم الأمني: يوصي التقرير بإجراء مُراجَعة دوريّة للمفهوم، لفحص الفرضيّات الأساسيّة، وتقييم مستوى المَخاطِر المقبول، وفهم التهديدات الجديدة، ووضع مستويات للخطر المتبقّي الذي يمكن للدولة تحمّله.
في الختام، يرى التقرير أنه مع اقتراب انتهاء المُراجَعة يجب إقرار قانون استراتيجيّة الأمن القومي، الذي يُلزِم مجلس الأمن القومي بإعداد استراتيجيّة سياسية - أمنية شاملة لكلّ حكومة جديدة، تشمل التهديدات والفُرَص وترتيب الأولويّات والوسائل المقترحة للتعامل معها، على أن تُصادِق عليها الحكومة خلال خمسة أشهر. ويرى المُراقِب أنّ هذا القانون يمكن أن يشكل نقطة تحوّل، لكنه يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية لكي يغدو أداة فاعلة لا مجرّد وثيقة إجرائيّة.
[1] رون كريسي، "المُستَجوَبون سيُعَيّنون المُحَقّقين: الوزراء الذين سيُحَدّدون ولاية لجنة 7/10 - وتصريحاتهم السابقة"، يديعوت أحرونوت، 19 تشرين الثاني 2025. https://www.ynet.co.il/news/article/s1yghxiewx#google_vignette
[2] الموقع الرسمي لمكتب مُراقِب الدولة الإسرائيلي بتاريخ 11 تشرين الثاني 2025. https://library.mevaker.gov.il/sites/DigitalLibrary/Pages/Reports/9155-1.aspx