التصنيفات » مقالات سياسية

"تحوّل" في العليا الإسرائيلية: مَحكَمة أكثر مُحافَظة تحت ضغط سياسي مُتَصاعِد

"تحوّل" في العليا الإسرائيلية: مَحكَمة أكثر مُحافَظة تحت ضغط سياسي مُتَصاعِد

تقرير يرصد تغيّراً في نهج المحكمة العليا الإسرائيلية إزاء ملفّات الحكومة، مع تراجع تدخّلها في قضايا حسّاسة تتعلّق بالمُستَشارَة القضائية والتحقيقات والقرارات الأمنيّة. وتربط الصحيفة هذا التحوّل بتركيبة قضائية جديدة أكثر مُحافَظة وضغوط سياسية مُتَصاعِدة.
عرب 48 
تحرير:محمود مجادلة
26/11/2025

تُشير قراءة لمجموعة من القرارات القضائية الأخيرة في إسرائيل إلى أنّ المحكمة العليا تمرّ بتحوّل واضح في تعاملها مع الملفّات المُرتَبطة بما يُعرَف في الخطاب العام داخل إسرائيل بـ"الانقلاب القضائي".
ويأتي هذا التحوّل بعد نحو عامَيْن من لحظة مفصليّة سجّلتها رئيسة المحكمة العليا السابقة، إستير حيوت، حين حَذّرت مطلع عام 2023 من أنّ خطّة وزير القضاء ياريف ليفين "ستؤدّي إلى تفكيك جهاز القضاء"، على حدّ تعبيرها.
وقد شكّل هذا التحذير المؤشّر الأوّل لمحاولة المحكمة العليا كبح مسار الحكومة لتمرير ما تعتبره "إصلاحاً قضائياً"، قبل أن تتوالى تغيّرات داخلية وخارجية أثّرت بدورها على نهج المحكمة وتركيبتها وسلوك قُضاتها.
وبحسب تحليل نشرته صحيفة "هآرتس"، اليوم الأربعاء، فإنّ مُراجَعة لأحكام المحكمة منذ تشكيل الحكومة الحالية، إلى جانب محادثات أجرَتها الصحيفة مع خُبراء قانونيين، تُظهِر أنّ "المعارضة التي أبداها قُضاة المحكمة العليا لخطّة الانقلاب أخذت تضعف خلال الأشهر الأخيرة".
وبحسب التقرير، فإنّ المحكمة تتعرّض لهجوم سياسي غير مُنقطع من جانب الحكومة، وأنّ هذا الضغط انعكس على توجّهاتها. وبرَز ذلك بصورة خاصّة في ثلاث قضايا مركزية: التسوية التي سمحت بتعيين دافيد زيني رئيسًا لجهاز الشاباك؛ ورفض إصدار أمر مؤقّت يُجَمّد إجراءات إقالة المُستشارة القضائية للحكومة؛ والمُصادَقة على منح ليفين صلاحيّة تعيين المسؤول عن التحقيق في ملف المُدّعِيَة العسكرية السابقة، يفعات تومر–يروشلمي.
التسوية في ملف تعيين زيني
وأفاد التقرير بأنّ التحوّل الأوّل برَز في قضية تعيين زيني رئيسًا للشاباك. ففي أيار/ مايو الماضي، أعلن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، تعيين زيني، رغم أنّ المُستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، كانت قد منعت هذا التعيين بسبب تضارب المصالح، باعتبار أنّ تحقيقات جارية يقودها الشاباك تتعلّق بمُستَشاري نتنياهو. ورغم تَوَقّع وزارة القضاء والنيابة العامة أن تقف المحكمة إلى جانب المُستشارة، إلّا أنّ جلسة المحكمة جرَت في اتجاه مختلف.
ووجّه اثنان من القضاة، أليكس شتاين وغيلا كانفي–شتاينيتس، انتقادات مباشرة للمُستشارة، ورفضا موقفها بأنّ نتنياهو يجب أن يُفَوّض صلاحيّة التعيين لوزير آخر. أمّا رئيس المحكمة، يتسحاق عميت، فاكتفى بتذكير مُقتَضب بأنّ "المُستشارة القضائية هي الجهة التي تُفَسّر القانون"، مُضيفًا أنّ "ترك كلّ وزير يتصرّف كما يشاء سيقود إلى فوضى دائمة".
وأشار التقرير إلى أنّ غالبيّة القُضاة دفعوا باتجاه التوصّل إلى تسوية؛ وهو ما أجبَر المُستشارة على التراجع والموافقة على أن يمضي نتنياهو في تعيين زيني في نهاية أيلول/ سبتمبر. واعتبرت "هآرتس" أنّ هذه التسوية "شرعَنت سلوكًا غير مسبوق ومُخالِفًا للسوابق القضائية التي أرسَتها المحكمة نفسها".
رفض تجميد إجراءات إقالة المُستشارة 
وتوقّف التقرير عند قضية ثانية ترى فيها دلالة على تغيّر مسار المحكمة، وهي قرار القاضي نوعام سولبرغ في تمّوز/ يوليو الماضي رفض إصدار أمر احترازي يُجَمّد إجراءات الحكومة الهادفة إلى إقالة المُستشارة القضائية، إذ اعتبَر سولبرغ أنّ الإجراءات "غير نهائيّة" ولا تستلزم تدخّلًا فوريًا؛ وهو ما أتاح للحكومة الاستمرار في عقد جلَسات علَنيّة للنظَر في إقالتها.
وقالت الصحيفة إنّ المستشارة "اقتربت من التوسّل" إلى المحكمة لوقف الإجراء، وأنّها حَذّرت مرارًا من أنّ ما يجري "يُحدِث أضرارًا مؤسّسيّة مُتَراكِمَة في جهاز الاستشارات القضائيّة للحكومة وفي الخدمة المدنيّة ككلّ". غير أنّ المحكمة تدخّلت فقط بعد أن أتمّت الحكومة إجراءاتها، وأسقطت قرار الإقالة، لكن "بعد أن وقع الضرَر السياسي والمؤسّسي بالفعل"، بحسب الصحيفة.
وتنقل "هآرتس" عن البروفسور باراك مدينا، من الجامعة العبريّة في القدس، قوله إنّ ما يُمَيّز القُضاة المُصَنّفين ضمن "المُعَسكَر المُحافِظ"، ومن بينهم سولبرغ، هو أنّهم "يتجاهلون الدوافع السياسية للحكومة وخططها وسياقها"، ويُصدِرون أحكامًا "معزولة عن البيئة العامّة"، مع تحذيره من أنّ هذا النهج "يُهَدّد جوهر النظام الديمقراطي".
منح ليفين صلاحيّة تعيين المسؤول عن التحقيق في ملف تومر–يروشلمي
وأشار التقرير إلى حُكم آخر يعكس ذروة هذا التحوّل، ويتعلّق بمنح وزير القضاء، ياريف ليفين، صلاحيّة تعيين المسؤول عن التحقيق في ملفّ المدّعية العسكرية السابقة. وقد جاء هذا القرار بعدما تقرّر أنّ المستشارة في حالة تضارب مصالح بسبب دور النيابة العامّة في فحص تسريب مقطع يُوَثّق اعتداءً على أسير فلسطيني في قاعدة "سديه تيمان".
ورفضت المحكمة العليا مرشّح ليفين الأوّل، لكنها اعتبرت أنّ الوزير "يعمل ضمن صلاحيّاته"، وتركت له خيار تعيين بديل. وقد اختار ليفين لاحقًا القاضي المتقاعد يوسف بن حمو، رغم أنّه "لا يستوفي المعايير" التي حدّدتها المحكمة سابقًا. عِلماً بأن عضو الكنيست من حزب الليكود، موشيه سعاده، صرّح بأنّ الهدف من الخطوة هو "تمهيد الطريق للتحقيق مع المُستشارة تمهيدًا لإقالتها".
من أحكام 2023 إلى تبدّل التوازن داخل المحكمة
ووفقاً للتقرير، فإن المحكمة كانت قبل عام 2023 أكثر جرأة في مُواجَهة الحكومة. ففي كانون الثاني/ يناير من ذلك العام، ألغَت المحكمة بأغلبيّة واسعة قرار نتنياهو تعيين أرييه درعي وزيرًا.
وفي كانون الثاني، يناير 2024، أسقطت المحكمة بأغلبيّة 8 قضاة مقابل 7 تعديلًا على "قانون أساس" ألغى معيار المعقوليّة. وترى الصحيفة أنّه "لو نظَرت المحكمة في هذه الملفّات بتركيبتها الحاليّة، لكانت النتائج مختلفة تمامًا".
وشدّد التقرير على أن تغيّر تركيبة المحكمة بعد تقاعد رئيسة المحكمة السابقة، إستير حيوت، والقاضيتين عنات برون وعوزي فوغلمان، من دون تعيين بُدَلاء بسبب تعطيل الحكومة للجنة اختيار القضاة، خلَق لأوّل مرّة "أغلبيّة مُحافِظة" داخل المحكمة؛ وهو ما انعكس على استعداد المحكمة للتدخّل في مُواجَهة الحكومة.
سلوك المحكمة بعد 7 أكتوبر
ورصَد التقرير أيضًا تحوّلًا واضحًا في نهج المحكمة منذ السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر؛ إذ باتت المحكمة، بحسب تعبير "هآرتس"، "مُتَوافِقَة بشكل شبه كامل مع السياسة الأمنيّة للحكومة"، وامتنعت بصورة شبه تامّة عن النظَر في التماسات تتعلّق بانتهاك حقوق الفلسطينيين في قطاع غزة أو قضايا الأسرى داخل سجون الاحتلال.
الضغط السياسي والاستقطاب
وتنقل "هآرتس" عن البروفسور يانيف روزناي قوله إنّ "الاستقطاب الحاد داخل المجتمع الإسرائيلي تسلّل إلى المحكمة العليا نفسها"، وإنّ القضاة يعملون "تحت ضغط وتهديدات مستمرّة"، تشمل التحريض السياسي، والتشكيك في شرعية المحكمة ورئيسها، والسعي لتغيير لجنة اختيار القُضاة.
ويرى روزناي أنّ محاولات اليمين تصوير المحكمة على أنّها "لا تتمتّع بثقة الجمهور" تؤثّر بشكل مباشر على أداء المحكمة.
وخلص روزناي إلى أن المحكمة العليا تواجه ضغوطًا سياسيّة ومُجتمعيّة مُتصاعدة، وقد تجد نفسها مضطرّة إلى "اختيار معاركها"؛ لكنها في الوقت نفسه مُطالَبَة باتخاذ قرارات "غير شعبية" عند الضرورة من أجل حماية المبادئ الدستورية للنظام الديمقراطي.

 

 

2025-12-15 08:39:25 | 16 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية