التصنيفات » دراسات

نظرة على التداعيات الدبلوماسية للانتخابات الإسرائيلية (مركز دراسات الأمن القومي (إسرائيل))


 

عران عويد - 
 فبراير 2009

نتائج الانتخابات الثامنة عشر للكنيست سيكون لها  حسب كل الآراء تداعيات مهمة على المسيرة السياسية في الشرق الأوسط وبشكل خاص على المسار الإسرائيلي الفلسطيني والمسار الإسرائيلي السوري . وبعيداً عن الاتجاهات العامة للرأي العام الإسرائيلي فإن تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة سيكون له تأثير فيما يتعلق بكيفية معالجة إسرائيل للملف النووي الإيراني والعملية السليمة . وعلى الرغم من أن نصوص برامج الأحزاب المختلفة لا تعتبر مؤشرات وحيدة, والحقيقة أن الأحزاب  في إسرائيل ليست وفية دائماً لبرامجها.

هذه البرامج في هذه المرحلة تعتبر قاعدة لتحليل فرص الائتلاف على الأقل بخصوص ما يتعلق بالمسائل الدبلوماسية التي على جدول الأعمال في هذه الأيام.

النشاط النووي الإيراني يقع على رأس قائمة المواضيع لأي حكومة إسرائيلية من لحظة أدائها اليمين الدستورية .

 برنامج حزب الليكود هو حاد ومباشر في هذا الموضوع حيث يتحدث عن: "منع إيران من الحصول على سلاح نووي يجب أن يكون على رأس سلم الأولويات في المرحلة القادمة" .

وزعيمة حزب كاديما تسيبي ليفين تعرضت إلى نقد شخصي بعدما أنكرت أن إيران تشكل تهديداً وجودياً. وبرنامج كاديما يسمي التهديد الإيراني كتهديد "الأكثر أهمية" مع ذكر أن إسرائيل ستعمل بكل طريق ممكن لمنع إيران من التزود بالسلاح النووي. والبرنامج يضيف ويشدد على أن إسرائيل ستعمل بالتشاور مع الأسرة الدولية, ويذكر أن الولايات المتحدة  كمسئولة عن ممارسة ضغط سياسي واقتصادي على إيران حتى تتراجع عن نشاطاتها.
برنامج حزب العمل قريب من برنامج الليكود في الموضوع الإيراني, ويعرف التهديد الإيراني "كتهديد وجودي", ويفصل بأن الحزب سيعمل بكل الجهود المشروعة لكي يعزل إيران ويزيل تهديدها.

منهج حزب (إسرائيل بيتنا) التابع لافيغدور ليبرمان واضح ومرتبك وهو في نفس الوقت حيث يقول أن "الهدف هو المنع بكل الوسائل المتوفرة من إيران بالتسلح النووي, مع جباية سعر عالي جداً وتأمين ثمن ليس متناسباً في حال مهاجمتها". التناقض والارتباك واضحان للعين . فالهدف هو منع إيران من امتلاك السلاح النووي, ولكن الجزء الثاني من الجملة يتطرق بوضوح إلى الوضع الذي ليس فقط تكون فيه إيران امتلكت السلاح النووي, بل حتى استعملته.

في الحقيقة ليبرمان من شأنه ألا يجعل من هذه المسألة كشرط مسبق لانضمامه للحكومة, مع ذلك هو بالتأكيد يستطيع أن ينسحب من عضوية الحكومة التي تكون رخوة جداً في نظرة معالجتها لهذا التهديد.

شاس لا يتطرق لهذا الموضوع في برنامجه, ليس منطقياً لشريك في ائتلاف حكومي أن يتحول التهديد الإيراني والسياسة الإسرائيلية نحوه إلى شرط مسبق لدخولها الائتلاف, مع ذلك سيكون منطقياً أن نفرض انه في أي مرحلة ستتعثر الحكومة الإسرائيلية المقبلة بأزمة إذا كانت منقسمة في رأيها بخصوص حملة عسكرية ضد المنشآت الإيرانية النووية.

المشكل أكثر هو الثغرات أو الفجوات الكبيرة التي بين الائتلاف المرتقب في كل ما يتعلق بالمسيرة السياسية مع جيران إسرائيل. الليكود يعارض بإصرار انسحاب أخر من جانب واحد, كالذي نفذ في جنوب لبنان ومن قطاع غزة, وفي نفس الوقت البرنامج يقرر أن  "لليكود مستعد لتنازلات من اجل السلام", وأن السلام مع مصر كان "حقيقياً وصادقاً ", والليكود يرى أن ما تم في أنابوليس فشل أو تأخير الهدف . وحسب رأيهم أن الفلسطينيين ليسوا مستعدين لتسوية تاريخية . لأنهم رفضوا اقتراح التسوية قبل ثماني سنوات (كامب ديفيد؟ عروض الرئيس كلنتون؟), ولم يتحولوا إلى معتدلين منذ ذلك الحين.

الخط الأحمر المفصل لدى الليكود يشمل المواضيع التالية: دولة إسرائيل هي المسئولة عن أمن مواطنيها وحدودها, ولن تكون عودة للاجئين الفلسطينيين, والقدس ستبقى موحدة تحت حكم إسرائيل كعاصمة لها.

 السيناريو الأسوأ من الجميع فيما يخص مدينة القدس هو تقسيمها . وجود القدس كلها تحت حكم إسرائيل هو الذي  يؤمن وجود سلام إقليمي.

بينما أن المسألتين المركزيتين للاجئين والقدس واضحتان جداً فان ثمة تطرق قاطع صغير جداً للنظرة الإقليمية بما في ذلك المستوطنات. في الأيام الأخيرة لحملة الانتخابات أعرب نتنياهو زعيم الليكود عن اعتراضه على التنازلات التي ستكون بها مخاطرة على المطار الرئيس لإسرائيل. وأضاف أن هضبة الجولان ( بكعات هيردين) ستظلان تحت حكم إسرائيل.

وكذلك مبدأ الدولتين لشعبين تنقصه حتى الوعود الكاذبة في برنامج الليكود فهو النقطة الأساسية في برنامج الحزبين (العمل وكاديما) وهو ممكن أن يتحول إلى حجر عثرة حقيقة إذا كانت الأحزاب الثلاثة معنية في تشكيل ائتلاف بينهم . وإذا كان التطرق لهذا المبدأ يغيب عن برنامج الحكومة القادمة فمن شأن الأمر أن يتحول إلى مصدر جدال في علاقات دولة إسرائيل مع الإدارة الأمريكية الجديدة ومع الاتحاد الأوروبي.

سواء برنامج حزب العمل أو برنامج حزب كاديما في موضوع القدس هو عام يكفي الحاجة للسماح لهما بالموافقة إذا لزم الأمر على تنازلات معينة بشـأن المدينة, هكذا أيضاً تبقى بالنسبة للمستوطنات.

وبخصوص الاتفاق الشامل ينادي كاديما وحزب العمل بإدخال كتل المستوطنات اليهودية الكبيرة ضمن حدود إسرائيل وإزالة المستوطنات الأخرى.

البرنامج السياسي لشاس يتطرق للقدس فقط, ويذكر أن المدينة ليست مفتوحة للتفاوض وللتقسيم . أما برنامج افيغدور ليبرمان يذهب إلى ابعد مدى عندما يذكر أن القدس لا تشكل موضوعاً للمفاوضات, وأن المدينة عليها أن تُشبك بمستوطنة( بمعلي ادوميم) في الشرق والى مستوطنة (جوش عتسيون) من جنوبها عن طريق إضافة أحياء يهودية. مرة أخرى إذا كانت برامج الأحزاب تشكل إشارة إلى إمكانية إقامة ائتلاف على افتراض أن المواضيع المتعلقة بالعملية السياسية مع الفلسطينيين هي حاسمة, سيكون من السهل أكثر إقامة تكتل الليكود وشاس و(إسرائيل بيتنا) أكثر من أي خيار أخر بأن تشكل من أحزاب الليكود والعمل وكاديما.

المبهم أكثر بقليل هو موضوع المفاوضات الإسرائيلي والسوري . فبرنامج الليكود امتنع من التطرق إليه لكن قبل أن تفتح صناديق الاقتراع بـ 48 ساعة قال نتنياهو أن (مدينة "جميلا" لن تسقط ثانية ) في إشارة إلى المدينة اليهودية القديمة الواقعة على هضبة الجولان التي حوصرت ودمرت على أيدي جنود الامبريالية الرومانية سنة68 ميلادية. فهل حاول نتنياهو العودة خلف مصوتي اليمين, أو هل كان هذا إشارة إلى أنه لن يكون متشبثا أو متلوعا لمحادثات سلام مع سوريا؟

إذا كان سيأتي بـ (إسرائيل بيتنا) إلى الائتلاف فسيكون من الصعب رؤية كيفية إدارة محادثات سلام مع برنامج هذا الحزب الذي يلوح "بالسلام مقابل السلام" أي ليس مقابل إعادة الأراضي المحتلة مع سوريا, ومع برنامج حزب العمل عن سلام مع سوريا يكون أساسه تنازلات إقليمية وترتيبات أمن. بينما نتنياهو قد أدار محادثات مماثلة تحت معادلة مشابهة . ليبرمان يعارض جملةً وتفصيلاً المفاوضات مع سوريا وربما لن يكون بالإمكان جسر الهوة بين هذين الحزبين. كاديما ستكون الأفضل في المعالجة عندما تلوح بالمسألة الإقليمية, من حيث التأكيد على الحاجة للمحافظة على أمن إسرائيل والمصالح الحيوية لها, ومطالبة سوريا بالتوقف عن دعم منظمات الإرهاب وعلاقاتها مع المنظمات المتطرفة الأخرى.

كما هو الحال في المواضيع الأخرى عندما يصل إلى الموضوع السوري حزب (إسرائيل بيتنا) التابع لافيغدور ليبرمان يشكل (الجوزة) الأكثر قساوة في كسرها أو صدعها أمام أي زعيم ائتلافي.

إذا إيران والمسيرات السلمية مع سورية ومع الفلسطينيين تشكل المسائل المركزية في مجال السياسة الخارجية والأمن فإن كل تشكيل يشمل حزب الليكود كاديما والعمل و شاس هو ممكن. إذا أصر حزب (إسرائيل بيتنا) على برنامجها كونها عضوة في الائتلاف . فإن شركائها المحتملون يمكن أن يكونوا الليكود وشاس, وهي يمكن أن تشكل تهديداً لكل رئيس حكومة مستقبلي . علاوة على أن حكومة تتساوق مع (إسرائيل بيتنا) يمكن أن تدهور إسرائيل في مواجهتها الدبلوماسية سواء مع الإدارة الأمريكية الجديدة أو مع الأسرة الدولية.

بينما برنامج حزب العمل هو الوحيد الذي يتطرق إلى المبادرة العربية , فيجب أن نفترض أيضاً أن كاديما تستطيع قبول المبادرة كنقطة تطرق.

من غير المرجح أن حزب العمل يجعل من هذه الإشارات أو غيرها نحو المبادرة العربية شروطاً لانضمامه إلى الائتلاف الحكومي, لأن الليكود من المؤكد أنه لن يوافق على أي نوع من الحديث عن هذه المبادرة.

في ضوء نتائج الانتخابات, وانتخاب الليكود هو إما أن يؤدي إلى حكومة يمينية متطرفة, وإما مشاركة في حكومة تكون أكثر اعتدالاً مع كاديما

الاحتمال الأول لابد أن يؤدي إلى تصادم مع الولايات المتحدة ومع الأسرة الدولية. والاحتمال الثاني مرتبط على الأقل بشكل جزئي بالتنازل عن فرصة تولي رئاسة الحكومة. من ناحية أخرى يستطيع نتنياهو حتى إذا كان في رأس الائتلاف اليميني, أن يهيمن برأيه على شركاء الائتلاف الأقل درجة وأن يدفع بالبرنامج اليومي إلى الاتفاقيات الجزئية. سيناريو مماثل كان سيسمح له بالعمل سوية مع الإدارة الأمريكية على مسلسل الأحداث, بدءاً من تقوية اقتصاد الضفة الغربية وانتهاءً بتوسيع الأراضي في الضفة الغربية الواقعة كلها  تحت الحكم المدني والأمني للسلطة الفلسطينية.


 


2009-04-09 10:23:32 | 1969 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية