التصنيفات » الكتب

داعش صورة عن تنظيم إرهابي جهادي



هذه الدراسة الشاملة هي من أحدث الدراسات التي صدرت حول تنظيم «داعش» الإرهابي الذي ذاع صيته خلال السنوات القليلة الماضية، بعدما اجتاح بالقوة العسكرية وبالبطش الأعمى (كما بالمكر والدعاية السوداء والخديعة) أراضي واسعة في كل من العراق وسورية، واستطاع تثبيت أقدامه في قسم كبير منها، رغم حملات التصدي والمقاومة الكبرى التي أبدتها القوّات المناهضة له في كلا البلدين (رسمية أو شعبية)، والغارات الأميركية والروسية التي انطلقت منذ عدّة أشهر لجبه هذا الكيان الإرهابي الخطير!
وقد ركّزت الدراسة، التي صدرت عن مركز استخباراتي صهيوني معروف، وبشكل منهجي مدروس، على عرض وتحليل موجز لنشأة تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق وسورية) الإرهابي وأفكاره الرئيسية، والعوامل والظروف التي أدّت إلى بروزه بقوّة خلال الأعوام الماضية، وتمكّنه من استقطاب عشرات آلاف الشباب من البيئة السورية والعراقية خصوصاً، ومن البيئة «الإسلامية» عموماً، والتي شملت معظم الدول التي يعيش فيها مسلمون (سنّة)، ومن كلّ الأعراق والجنسيات!
كما عرضت هذه الدراسة للمسار العسكري والميداني لـ«داعش» في العراق وسورية، بشكل ممنهج ومفصّل، مع مسارات أخرى رافقت تقدّم هذا التنظيم (المتوحش)، في مجالات الإعلام والدعاية والتمويل الذاتي ومسائل أخرى مرتبطة بالمسار الاستراتيجي العام الذي رسمه «داعش» لنفسه، قبل سنوات من هذا الحضور الميداني المفاجئ له في العراق وسورية (ومصر وليبيا واليمن ونيجيريا لاحقاً)، على حساب تنظيم «القاعدة» الإرهابي الذي أسّسه أسامة بن لادن، ويترأسه حالياً «الشيخ» أيمن الظواهري.
و«ميزة» هذه الدراسة عن غيرها من الدراسات والمؤلّفات العديدة التي صدرت في الأعوام الماضية، باللغة العربية أو بلغات أجنبية، سواء من قِبل منظّرين أو «مفكّرين» تكفيريين أسّسوا لمنهج ما يُسمّى (إدارة التوحّش)، أو من قِبل باحثين أو جهات أكاديمية وفكرية وسياسية مختلفة التوجهات والمشارب؛ إن «ميزة» هذه الدراسة تكمن في أنها عرضت للسياق السياسي والفكري والميداني العام لتنظيم «داعش» الإرهابي، بعيداً عن الغوص في جذوره الإيديولوجية والدينية والاجتماعية إلاّ بما يخدم هذا السياق العام، فيما تناولت معظم الدراسات التي سبقتها الأبعاد الفكرية والمذهبية والفقهية والإعلامية وغيرها، مقارنة بأفكار وممارسات تنظيمات أو مذاهب أخرى، من داخل البيئة السنّية أو من خارجها (الشيعة وغيرهم).
والمثير في هذه الدراسة (الصهيونية) أنها لم تلق الضوء بشكل وافٍ وشامل (وهو أمر مقصود طبعاً) على الخلفيات الاستخباراتية التي أسهمت في صعود تنظيم «داعش» الإرهابي، وخاصة أدوار أجهزة استخبارات الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وبعض أجهزة الأمن والاستخبارات في تركيا ودول خليجية وعربية معروفة؛ فضلاً عن أجهزة الاستخبارات الرئيسية في أوروبا الغربية وغيرها من الدول، والتي كان لها إسهام رئيسي في تسهيل عمليات إمداد «داعش» بهذا العدد الهائل من المسلّحين المندفعين نحو «ساحات جهاد» يجهلون كلّ شيء حولها؛ فضلاً عن دور تلك الأجهزة في تمويل عمليات «داعش» مالياً وتغطيتها إعلامياً وسياسياً، طيلة المراحل التي سبقت (خروج الوحش) عن السيطرة، وتهديده شوارع وساحات هذه البلدان العربية والغربية، بشكل مباشر وعنيف (كما حصل مؤخراً في فرنسا وأميركا وبلجيكا وتركيا وغيرها)، حيث باتت هذه الدولة تعمل جاهدة (في السياسة كما في الأمن والإعلام) على كبح جماح هذا (الوحش المتمرّد) الذي خرج عن طاعة أسياده، والذين استفادوا من المسار الدموي ـ التفتيتي الذي أنشأه «داعش» بما لا يُقاس مقارنة بالمسار الذي خلقه الكيان الصهيوني منذ نشأته، برعاية غربية وعربية كاملة في العام 1948، وحتى يومنا هذا.
واليوم، وبعد الحرب الدولية الكبرى (ولو غير المنسّقة) على داعش، في سورية والعراق، وبعد بروز مؤشرات عديدة على إمكان دحر هذا التنظيم الدموي الإرهابي، وقرب أفول نجمه، فإن «الحاجة الأكاديمية» والسياسية لا تزال ملحّة لتأريخ وتحليل جذور هذا التنظيم وفهم مختلف أبعاد وجوانب انطلاقته وحركته السياسية والفكرية والميدانية، بهدف منع تكرار هذه التجربة (السوداء) مستقبلاً في تاريخ دول وشعوب المنطقة، والعالم حتى.
والتي كان للغرب وللكيان الصهيوني، كما لبعض الدول الإقليمية دور جوهري في نشأة هكذا جماعات متطرّفة لا تمتّ ممارساتها وأفكارها وأحكام «قضاتها الشرعيين» للأديان السماوية وللقيم الإنسانية بأيّ صلة.



2016-03-24 12:47:40 | 9460 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية