التصنيفات » مقابلات

العميد أمين حطيط لموقعنا في الذكرى السنوية العاشرة لانتصار المقاومة على الكيان الإسرائيلي في حرب تموز 2006






*بداية، هل لكم من كلمة حول انتصار تموز/آب 2006، جناب العميد حطيط؟
ـ في الصراعات المسلّحة تكون الغايات والنتائج عادة من طبيعة متفاوتة. فمنها ما يكون الاستراتيجي التغييري الكبير، ومنها ما يكون ذا طبيعة عملانية ميدانية جوهرية أساسية، ومنها ما يكون ذا طبيعة محلّية عارضة.
وانطلاقاً من هذا التصنيف، عندما نطلّ على انتصار المقاومة في جنوب لبنان في العام 2006 ضدّ عدوان صهيوني شامل استهدفها، وفي قراءة مجملة لمجريات هذا العدوان ولما أحاط به من سلوك دولي، نستطيع أن نقول إن انتصار حزب الله في العام 2006 كان من الطبيعة الأولى، أي الطبيعة الاستراتيجية التغييرية، لأن العدو، أو الخصم، شاء شيئاً معيّناً فيما لو انتصر؛ وهذا الشيء كان بمثابة تغيير وجه المنطقة ونقلها من واقع هي فيه الى واقع مغاير، أقلّ ما يُقال فيه: تحويلها إلى مستعمرة أميركية. وما حدث في عام 2006 أفشل هذا المشروع التغييري الاستراتيجي، فيما أطلق انتصار المقاومة في الجنوب مساراً استراتيجياً تغييرياً لأهداف العدو، بدوره إيقاعاً جديداً. ومن أهم النتائج المباشرة حينها على تفكير العدو، تحوّله في سياق المواجهة من استراتيجية القوى الصلبة إلى استراتيجية القوى الناعمة. فقبل حرب 2006، كانت أميركا ـ بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي ـ تقرّر شيئاً ومن ثم ترسل جيوشها لتحقيقه؛ هكذا فعلت في الخليج وفي أفعانستان وفي العراق، وكادت أن تفعل في جنوب لبنان عام 2006؛ فهي كانت حرب أميركية بآلة عسكرية صهيونية. وعلى هذا الأساس، عندما فشلت أميركا في لبنان بعد نجاحاتٍ ادّعتها في المناطق الأخرى، تحوّلت من استراتيجية القوى الصلبة الى استراتيجية القوى الناعمة التي بدأتها في لبنان في أيار من العام 2008، وما زلنا نعيش تداعياتها حتى الآن.

* برأيكم، ما هي القيمة الاستراتيجية لانتصار تموز/ آب 2006 ؟
إن انتصار 2006 هو انتصار استراتيجي. والوجه الاستراتيجي فيه تجلّى في ثلاث مسائل أساسية: أولاً في البعد السياسي الكبير الذي توخّى العدوان تحقيقه من خلال هجومه على لبنان. نحن نعلم أنه في العام 1978 قالت «إسرائيل»، بعد أن وقّعت اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، إنها أقفلت الباب أمام الحروب مع الجيوش العربية، وإن كلّ الجيوش التقليدية باتت خارج دائرة الخطر الذي يحدِق بالكيان. وفي العام 1982، عندما خرجت المقاومة الفلسطينية من لبنان، قالت «إسرائيل»: اليوم اكتملت دائرة الأمان والإحكام لتثبيت الوجود الإسرائيلي في العالم. وسننتقل الآن إلى مهمّة أخرى هي توسيع الفضاء، لأننا بتنا بمنأىً عن خطر الجيوش والمقاومة الشعبية. لكن المقاومة اللبنانية، المتعدّدة العناوين والمتوحّدة على الهدف، وجّهت لـ«إسرائيل» الصفعة الأولى في العام 1985، بإخراجها من جزء كبير من الأرض اللبنانية؛ وكانت الصفعة الأقسى في العام 2000، عندما اندحرت «إسرائيل» عن «الحزام الأمني» الذي كان يُعتبر بالنسبة لها أساسياً في منظومة أمنها القومي. وقد شاءت «إسرائيل» عام 2006 أن تمسح عنها عار هذه الهزيمة، وأن تلغي شيئاً اسمه (مقاومة). لذلك، بدأ السعي الإسرائيلي و(الغربي) لاجتثاث الفكر المقاوم وإخراج المقاومة من دائرة الخطر المحدق بالكيان. أرادت «إسرائيل» في العام 2006 أن تشطب المقاومة التي هزمتها في العام 2000، فجاءت المقاومة بردٍ معاكس؛ وهذا تحوّل استراتيجي. وعن البعد الثاني من نتائج المواجهة، نقول: قبل هزيمة 2006 كانت أميركا تعتمد منطق القوى الصلبة حتى تحقق أهدافها؛ وبهزيمتها في تموز /آب 2006، اضطرّت أميركا لاعتماد استراتيجية القوى الناعمة، والتي أدخِلت في صلب المفهوم الاستراتيجي للأطلسي عام 2010. وفي البعد الثالث، فإن عدوان 2006 كان سيتيح لأميركا (لو نجح) بناء الشرق الأوسط على أساس أنه بات مستعمرة أميركية بالكامل، عبر إعادة تنظيم المنطقة ورسم مناطق النفوذ فيها، وإلغاء شيء اسمه محور المقاومة، والمعارِض بقوّة للسياسة الأميركية. لكن انتصار 2006 ثبّت محور المقاومة كركن رئيس في المعادلة الإقليمية والدولية. وعلى هذا الأساس نحن نرى أن نتائج الحرب كانت ذات أبعاد استراتيجية. ومن هنا نقول إن انتصار عام 2006 ذو طبيعة استراتيجية بامتياز.

* ماذا غيّر انتصار تموز/ آب 2006 في معادلات المنطقة، وما هي أبرز تداعيات هذا الانتصار؟
ـ العنوان الرئيسي لتداعيات انتصار تموز هو عرقلة المشروع الأميركي في المنطقة. لكن الأخطر في الموضوع ليس فقط عرقلة هذا المشروع، وإنما رسم علامة استفهام كبرى حول النظام العالمي الجديد الأحاديّ القطبية؛ لأنه لو انتصرت أميركا في العام 2006 لما بقي أحد في العالم يعارضها. ونحن نعلم أنه ما بين العام 1990 (تاريخ تحلّل الاتحاد السوفياتي) وحتى العام 2000، لم يكن هناك أحد في العالم يقول لأميركا لا؛ فقط محور المقاومة هو الذي قال لها لا. ولو فشل هذا المحور في العام 2006 لخنِق الصوت الرافض للسياسة الأميركية. وعند ذلك كانت أميركا تستطيع أن تباهي وتقول: لقد أرسيت النظام العالمي الجديد بالمعايير الأميركية.
ونحن نعلم أنه قبل العام 2006 كانت هناك نزعة في العلاقات الدولية، تحت شعار التدخل الدولي الإنساني، والتي طرحتها الولايات المتحدة وتبنّاها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان. لكن ماذا يعني التدخل الدولي الإنساني؟ يعني أن تعطي الأمم المتحدة، التي تسيّرها والتي تملك قرارها أميركا، الحقّ لنفسها في أن تتدخل في أيّ مكان من العالم تحت عنوان التدخل الدولي الإنساني، وأن تنتهك بذلك السيادة الوطنية، حيث لم يعد هناك قيمة للسيادة الوطنية. لذلك، انتصار المقاومة في لبنان أكد أن هناك في العالم من يقول لأميركا لا. وهذا يذكّرني بالآية الكريمة ﴿ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض...﴾•، بما يعني أنه لو لم تكن في هذه الأرض مقاومة لاجتاحت أميركا (بظلمها) العالم برمّته.

* هل باتت قوّات «اليونيفيل» في لبنان بمثابة ظهر «إسرائيل» الذي يحميها ويغطّي خرقها اليومي لسيادة لبنان؟
ـ أنا أتحدث هنا كرجل عاش الميدان واختبر «اليونيفيل» في كلّ وجوه الاختبار. لذا أستطيع أن أقول إن وجود «اليونيفيل» في جنوب لبنان هو لحراسة «إسرائيل»، وإنه ثمرة من ثمار مشروع النظام العالمي الأحاديّ القطبية، الذي يأتي إلى المنتصر ويقيّده حتى لا يستثمر انتصاره. فنحن انتصرنا في العام 2006، وبدل أن نستثمر انتصارنا جاءتنا الأمم المتحدة بالقرار 1701، الذي ينتزع منّا هذا الانتصار. وأحد وجوه تقييدنا في استثمار الانتصار هو وجود قوات «اليونيفيل» بالحجم الذي هي فيه اليوم. لماذا يقيم على الأرض اللبنانية هذا العدد الكبير من القوى الأجنبية، مع أننا نحن المنتصرون، والذي اعتدى علينا هو «إسرائيل»؟ فهل يأتي الجنود الأمميون عادة للإقامة في بلد المعتدى عليه، أو يذهبون إلى بلد المعتدي؟ الأمم المتحدة اليوم، عبر قوّاتها، لا تطلق رصاصة واحدة على «إسرائيل»، ولا تبادر إلى منع «إسرائيل» عن القيام بأيّ اعتداء أو خرق؛ هي موجودة اليوم في جنوب لبنان لرعاية المصالح الإسرائيلية والغربية، سواء في البرّ أو البحر.

* هل يمكن اعتبار ما يجري في سورية استكمالاً للمشروع الذي فشل جزء منه بعد هزيمة «إسرائيل» في لبنان عام 2006؟
ـ انتصار عام 2006 جعل استراتيجية القوى الصلبة في مأزق، حيث انتقل الغرب إلى استراتيجية القوى الناعمة. إن مراحل استعمال القوى الناعمة في المنطقة كانت متدرّجة؛ المرحلة الأولى بدأت في لبنان في يوم 7 أيار 2008، والذي أسماه سماحة السيد حسن نصرالله باليوم المجيد، لأن الخصم لو نجح في حينها في نزع سلاح حزب الله (خطوة خطوة) لكان حقّق أهداف حرب 2006؛ فخصم المقاومة اللبناني بدأ بسلاح الإشارة، لتأتي الصفعة من قِبل المقاومة والتي أسكتته بسرعة، فانتقل العدو الأميركي من لبنان إلى إيران في العام 2009، مستغلاً الانتخابات الرئاسية فيها ليُخرج إلى الشارع أكثر من مليون ونصف مليون إيراني تحت شعارات ملتبسة. ولكن في الحقيقة كان الهدف هو إسقاط النظام الإسلامي. ولو لم تستطع إيران أن تحتوي هذا المخطّط لسقطت وانتصر المشروع المعادي. لكن إيران انتصرت في العام 2009.
ومن ثمّ اعتمد الأميركيون الحلقة الثالثة في استراتيجيتهم، وهي مشروع «الحريق العربي»، الذي ما نزال نعيش مآسيه منذ العام 2010؛ والتوقيت هنا كان متدرّجاً. فهم عادوا إلى سلاحهم الباطني السرّي الذي اخترعوه في أفغانستان ضدّ الشيوعية، وهو (القاعدة)؛ أي اعتماد سلاح الإرهاب بواسطة الفكر الوهابي التكفيري، وقالوا: بهذا السلاح سوف نسقِط أنظمة ونغيّر أخرى. بدؤوا أولاً بتونس، وانتقلوا إلى مصر فليبيا، ثم جاؤوا إلى سورية. وكلّ هذه المنظومة كانت كمقدّمات. أما الهدف الرئيسي فكان سورية. لأن الأميركيين تصوّروا أن شنّ حرب كونية على سورية، سيُسقطها خلال أشهر، كما خطّطوا مسبقاً. وقد تدرّجت وسائل استراتيجية القوى الناعمة في سورية بشكل سريع: مظاهرة، الدعوة لإسقاط النظام، مناداة بحريّة وديموقراطية، وصولاً إلى استخدام السلاح. فعندما تمّ قتل 120 عنصراً من الجيش السوري على جسر الشغور خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الأزمة، كانت خطوات الأعداء متسارعة، وكانوا يظنّون أنهم بهذا الإيقاع المتسارع سيُحبطون الجيش السوري، ويخيفون محور المقاومة، فتسقط سورية وينتهي الأمر. وبالتالي، فإن ما يجري حتى اليوم في سورية هو نتيجة تحوّل الأميركيين إلى استراتيجية القوى الناعمة، ونتيجة لإصرار أصحاب المشروع العدواني على مخطّطهم. لكن صمود سورية أولاً، ومعها محور المقاومة ثانياً، ومن ثم التحاق روسيا بها ثالثاً، عطّل عليهم مشروعهم حتى الآن. ولا أعتقد أن كلّ ما لديهم من خطط ووسائل وإمكانات جديدة سيؤدّي إلى انتصارهم في المستقبل.

* سيادة العميد، هل يلجأ العدو الإسرائيلي إلى شنّ حرب عدوانية جديدة على لبنان؟
ـ لكلّ حرب شروطها وظروفها. بالنسبة لـ«إسرائيل»، حتى تذهب إلى حرب هناك شروط ثلاثة، إذا توفّرت تذهب للحرب، وإن لم تتوفّر لا تذهب إليها مهما كانت الظروف. الشرط الأول هو أن تمتلك القوّة العسكرية القادرة على تحقيق إنجاز عسكري. والشرط الثاني أن تمتلك قدرة حمائية تقيها من صواريخ الخصم في الداخل. والشرط الثالث هو أن تستطيع أن تضع حداً للحرب في توقيتها هي، وأن تصرف الإنجاز العسكري في إنجاز سياسي واضح.
هذه الشروط الثلاثة إن لم تتوفر لا تذهب «إسرائيل» إلى الحرب. وهنا نأتي إلى الواقع:
الشرط الأول عبر تحقيق الإنجاز العسكري في النصر على المقاومة، أمر مشكوك فيه، بسبب المتغيّرات الإقليمية والقدرات التي بات يملكها حزب الله. الشرط الثاني، بأن تمتلك «إسرائيل» قدرات حمائية تقي جبهتها الداخلية من خطر الصواريخ، هو أمرٌ مقطوعٌ بأنه لم يتحقق، لأنها فشلت في مجال منظومات القبّة الحديدية والقبّة الفولاذية وبساط الريح ومقلاع داوود. أما الشرط الثالث، فيتعلق بالمتغيرات الإقليمية والدولية الجديدة، حيث لا تستطيع «إسرائيل» أن تصرف أيّ إنجاز عسكري لها في السياسة، فيما لو تحقّق، وهو لن يتحقّق. لذلك، كلّ ما يُقال عن حرب قريبة هو نوع من التهويل والحرب النفسية. فـ«إسرائيل» لا تستطيع أن تذهب إلى حرب كما في السابق.

* الصدق في الحرب النفسية هل يقلّل من فرص الانتصار فيها؟
ـ الحرب النفسية تختلف عن مناورات الكذب والاحتيال. الكذي هو اختلاق من لا شيء، أو أنه يبني على شيء بسيط. والحرب النفسية الناجحة تنطلق من واقعة ماديّة معيّنة ثابتة وموجودة في الميدان، وتُعطى تفسيراً آخر ثم تُطوّر لرسم مشهد كبير. مثلاً، تُستغلّ واقعة عدم حضور القائد إلى مكتبه. هذه الواقعة صحيحة، لكن يُبنى عليها أن عدم حضوره كان بسبب مرضه وانتقاله إلى المستشفى، وأن عودته إلى المكتب باتت مستحيلة أو أنه أُقيل... فيُبنى على شيء موجود في الميدان ليُعطى تفسيراً آخر ويطوّر؛ ومن ثمّ تُحجب الحقيقة وليتمّ التعامل مع التفسير. أما إذا كانت الحرب النفسية مبنيّة على الكذب، كأن نقول إن القائد لم يأتِ إلى مكتبه، مع أن الناس شاهدته في المكتب، فهنا ترتدّ الكذبة على أصحابها بشكل سلبي. لذلك، نحن نقول إن حزب الله، الذي اعتمد الصدق في كلامه، قد نجح جداً في الحرب النفسية. فمثلاً، لو قال حزب الله إنه يملك قنبلة نووية لما صدّقه أحد، وهم يعلمون أنه لا يملكها. ولكن عندما يقول إنه يملك الصاروخ الذي يصيب حاويات الأمونيوم في الكيان، وإنه إذا انفجرت هذه الحاويات فسوف تحدِث مفاعيل القنبلة النووية؛ فهذه هي الحرب النفسية الناجحة والصحيحة. فالصاروخ يملكه حزب الله، والأمونيوم موجود، وإمكانية إصابة الحاويات ممكنة. وعندما تُصاب فستؤدّي إلى هذه النتيجة. لذلك، نحن قلنا إن السيد حسن نصرالله بجملتين أخّر الحرب على لبنان لسنتين.

* أخيراً، هل يمكن التشكيك بانتصار المقاومة في حرب تموز 2006 من الناحية العسكرية؟
ـ هنا أعود إلى القواعد. إن مسألة وصف نتيجة أية مواجهة بأنها هزيمة أو انتصار ليست قصيدة هجاء أو مديح. فالانتصار العسكري مبني على قواعد علمية. وهناك قاعدة جوهرية تقول إن المهاجم ينتصر إذا ما وضع هدفاً لهجومه وقاده هذا الهجوم إلى تحقيق هدفه؛ فإذا حقّق كلّ شيء ولم يحقّق الهدف المرسوم فالمهاجم مهزوم؛ والمدافِع ينتصر إذا علم بهدف عدوّه ومنعه من الوصول إليه. أما في التطبيق، فهدف «إسرائيل» المعلَن هو كان تجريد حزب الله من سلاحه؛ لكن لم تنتهِ الحرب بتجريد حزب الله من سلاحه. والذي منع «إسرائيل» من تحقيق هدفها هو سلاح المقاومة. إذاً، من خلال المعادلة العلمية نقول: المقاومة في لبنان انتصرت في تموز / آب 2006 و«إسرائيل» هي التي هُزِمت.


أجرت المقابلة
الزميلة حنين رباح



2016-06-25 10:52:33 | 7773 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية