التصنيفات » مقالات سياسية

الصراع بين المشروع الأمريكي ومشروع محور المقاومة في غرب آسيا , الانجازات والتحديات.

الصراع بين المشروع الأمريكي ومشروع محور المقاومة في غرب آسيا , الانجازات والتحديات.
يحيى دايخ
منذ تفكك منظومة الاتحاد السوفياتي الى دول وأنظمة متعددة , انتقل النظام العالمي من ثنائي القطب الى نظام عالمي ذو قطب أحادي ( الولايات المتحدة الأمريكية ) هيمن على أوروبا وحلف الشمال الأطلسي ومعظم دول العالم , ومع رفض بعض الدول لهذه الأحادية , الا أنه لم يظهر في وقتها أنظمة ذات ثقل تستحوذ على الاهتمام الأممي بشكل ملفت , الى أن برز المشروع النووي الايراني على الساحة الدولية والأقليمية الذي استولى على اهتمام العدو الصهيوني ومن خلفه أمريكا ( ضامنة أمنه ) ومن خلف أمريكا الدول الأوروبية والخليجية التابعة ( السعودية والامارات وغيرها... ) ,فأضحت الجمهورية الاسلامية الشغل الشاغل للادارة الأمريكية وتوابعها من دسائس ومؤامرات حتى الولاية الثانية للرئيس الأمريكي باراك أوباما حيث استطاع الطرفان ابرام اتفاق حول البرنامج النووي الايراني .
تمخضت المفاوضات التي استغرقت قرابة العشر سنوات بين الجمهورية الاسلامية الايرانية من جهة ومجموعة 5 زائد 1 من جهة أخرى ( مجموعة فرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا زائد الولايات المتحدة الامريكية ) بدعم من الممثلة السامية للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية  , على الاعتراف الأمريكي والدولي  بالبرنامج النووي الايراني السلمي وبالتالي مكانة ودور الجمهورية الاسلامية الدولي والاقليمي باستثناء العدو الصهيوني ودول البترودولار الخليجية , ونتج عن هذا الاعتراف الاتفاق النووي الموقع بينهما سنة 2015 في فيينا ( النمسا ).
كان هذا الاتفاق والانجاز الدبلوماسي "التاريخي" بداية الهزائم الاستراتيجية في السياسة الامريكية الخارجية , والذي غذى رفض فكرة "أحادية القرار" المفروضة والممارسة من أمريكا, وشجع الدبلوماسية الروسية ( بوتين ) على لعب دور فاعل على الساحة الدولية وبالتالي أتاح للصين المزيد من التغلغل التجاري الناعم الى مناطق النفوذ الأمريكي , بالاضافة الى الفشل المتكرر الذي واجهته هذه السياسة في غزو أفغانستان والعراق وصولا الى الهزيمة النكراء في حرب لبنان مع الكيان الصهيوني المحتل في سنة 2006 والتي كانت أمريكية القرار خليجية ( سعودية ) التمويل اسرائيلية التنفيذ , فكانت أعظم ثاني انجاز ضد العدو الاسرائيلي بعد اندحاره غير المشروط سنة 2000 , ولم يكن لتتم كل هذه الانجازات لولا الدعم الايراني بشكل مباشر أوغير المباشر .
وهنا يمكن القول , أن الجمهورية الاسلامية وحلفائها ( محور المقاومة ) كانت المرتكز الأساسي والاستراتيجي في تقويض السياسات الامريكية وبالتالي افشل استراتيجيتها في منطقة غرب آسيا التي تتمحور حول هدفين استراتيجيين :
توفير الأمن وشروط الحماية السياسية والعسكرية والاقتصادية للكيان الاسرائيلي المحتل .
وضع اليد والسيطرة بالاستلاء على منابع الطاقة ( النفط والغاز ) والتحكم باسواقها .
في مقابل أهداف المشروع الأمريكي عملت الجمهورية الاسلامية على انشاء محور للمقاومة , فتصدت للهدف الأول وذلك بتعزيز ودعم المقاومة في لبنان بحيث :
دعمت المقاومة في تطوير وتنامي امكاناتها وقدراتها وتوسع أدوارها الى خارج لبنان ( سوريا , غزة  ) مما سدد ضربة موجعة للعدو في صلب عقيدته الامنية والعسكرية , وأجبره على الخضوع لمعادلات ردع وقواعد اشتباك لم يعهدها من قبل في حروبه مع الدول العربية , وهزائم سياسية وعسكرية بالجملة ( عام 2000 , 2006 , حروب غزة ).
بتوسع أدوار المقاومة وامتلاكها للعديد من الملفات الخارجية استطاعت بناء ودعم مقاومات شعبوية للمشروع الأمريكي في المنطقة ( سوريا ,العراق , واليمن ) , حيث واجه الأمريكيون هزائم متتالية عبر وكلائهم في سوريا أو مباشرة في العراق واليمن .
أما في مقابل الهدف الثاني الأمريكي عملت الجمهورية الاسلامية على رفع قدراتها العسكرية ( البرية , البحرية , والجوية ) من خلال امتلاكها التقنية التكنولوجية والتصنيع الحربي من جهة , والاعتماد على الذات في المشاريع الاقتصادية والبنيوية والطبية من جهة أخرى , وبالتوازي عملت على دعم وتعزيز المقاومات الشعبية في الدول المستهدفة أمريكيا ( العراق , اليمن ) بمساعدة المقاومة في لبنان ( حزب الله ) وبالتالي أصبح تهديد وجودي للكيان الغاصب مما أفقد الأمريكي قدرة المبادرة على أي عمل عسكري باتجاه الجمهورية الاسلامية والذي يمكن أن يؤدي الى اشعال حرب اقليمية قاسية سيتعرض من خلال نتائجها الأمريكي وحلفاءه الى خسائر كبيرة بالجملة .

هذه الاعتبارات السابقة جعلت الامريكي يفتش على وسائل وبدائل أخرى لتنفيذ مشروعه بالهيمنة و"أحادية القرار" , ولم يكد يتولى دونلد ترامب سدة الرئاسة الامريكية حتى قرر شن حرب هجينة ( اقتصادية مالية , امنية , دبلوماسية , وتكنولوجية ) ضد الجمهورية الاسلامية ومحور المقاومة ,عماد تلك الحرب : أمريكا , العدو الصهيوني ,  وامارات ومشايخ البترودولار (الامارات والسعودية) .
أهم ثمار تلك الحرب كانت فرض عقوبات مالية واقتصادية صارمة سميت "بعقوبات الحد الاقصى" على محور المقاومة ( الجمهورية الاسلامية الايرانية , وسوريا , واليمن وعلى لبنان " الذي تضرر منها بشكل كبير نتيجة السياسات المالية والاقتصادية المفروضة عليه وبعض أدوات المشروع الأمريكي في الداخل اللبناني , بهدف تأليب بيئة المقاومة وقاعدته ورفع الغطاء الشعبي عنه وتحميل المقاومة سبب الأزمات المالية والاقتصادية " ) .
توخى ترامب من هجومه عدة أهداف ابرزها :
يعتبر ترامب أن أوباما سلم للجمهورية الاسلامية دورا اقليميا يمكن أن يحد من نفوذ امريكا في المنطقة , مما يعرقل تحقيق الهدفين الاستراتيجيين السابقين .
يطمح ترامب الى جر الجمهورية الاسلامية من خلال فرض العقوبات الى مفاوضات وتفاهمات تضمن تحقيق الاهداف الاستراتيجية السابقة ( حماية الكيان الصهيوني , السيطرة على منابع الطاقة والتحكم فيها ).
اضعاف وشل القدرة الايرانية مما يقلل من مكانتها العالمية والاقليمية , وبالتالي تفقد دول الممانعة للقطب الاحادي المرتكز الاساسي مما يمكنه من اعادة تحقيق عملية "احادية القرار" وتعود أمريكا على رأس نظام دولي جديد "بشرق أوسط جديد" .
يرتكز السناريو الامريكي على التالي :
مشروع "صفقة القرن" والذي يقوم على :
تحويل الصراع من عربي / اسرائيلي الى فلسطيني / اسرائيلي .
نهاء الصراع "الفلسطني / الاسرائيلي" على حساب الفلسطينيين لصالح الكيان المحتل .  
توطين اللاجئين الفليسطنيين في مكان لجوئهم أو ايجاد وطن بديل لهم .
ايجاد تحالف وجبهة خليجية اسرائيلية تكون مقدمة لتحالف عربي اسرائيلي الهدف منه:
القضاء على القضية الفلسطينية .
عزل الجمهورية الاسلامية الايرانية سياسيا واقتصاديا .
ايجاد صراع عربي ايراني بدل الصراع  "العربي الاسرائيلي" .
تعويم اقتصاد العدو الاسرائيلي من خلال صب الاستثمارات الخليجية في فلسطين المحتلة من جهة , وفتح البلدان الخليجية للشركات الاسرائيلية من جهة أخرى .
جعل مرافئ فلسطين المحتلة مراكز ثقل اقتصادي في الاستراد و التصدير من والى أوروبا والعالم .  
شن هجوم أمني ,وزعزعة استقرار داخلي ,ومالي واقتصادي صارم وقوي (عقوبات الحد   الاقصى ) على دول محور المقاومة ( الجمهورية الاسلامية , سوريا , العراق , لبنان , اليمن , المقاومة الفلسطينية ) بهدف :
خنق اقتصاد هذه الدول والحركات المقاومة وبالتالي عزلها عن محيطها وبيئتها .
فرض شروط أمريكية مذلة تضمن من خلالها أمريكا أهدافها السابقة .
افقاد دول محور المقاومة بريق انتصاراتها وبالتالي ارباكها بمنعها من القدرة على ترجمة هذه الانجازات عبر التوازنات السياسية والمكتسبات المستقبلية .
استهداف البيئات الحاضنة والمؤيدة للمقاومات , عبر تحميلها وزر العقوبات المالية والاقتصادية والثمن الذي تدفعه كلفة الاحتفاظ بالمقاومة .
وعليه يمكن التأكيد على أن المشروع الامريكي وان نجح في ايجاد مشاكل وعراقيل وصعوبات وتحديات في المنطقة لدول محور المقاومة , الا أنه فشل للأن فشلا ذريعا في تحقيق أهدافه الاستراتيجية وسناريوهاته التي يسعى الى تطبيقها على كافة الصعد , ويمكن تفنيدها كالتالي :
على صعيد الجمهورية الاسلامية : لم يستطع جر ايران الى المفاوضات جديدة على ملفها النووي, ولا تقييد دورها الاقليمي والدولي , ولا ايقاف أوعرقلة تقدمها التكنولوجي , ولا افشال برنامجها الصاروخي والتصنيع الحربي المتقدم , ولا اخراجها من سوريا أو الحد من دعمها للقوى المقاومة في المنطقة .
بل على العكس من ذلك واجهت الجمهورية الاسلامية تلك التحديات وحولتها الى فرص من خلال , مواجهة التحدي بالتحدي المقابل , فقد استطاعت البروز كخصم عنيد للطاغوت الصهيوأمريكي وتغلبت على مقاطعته ووصلت ناقلات نفطها الى الحديقة الخلفية لأمريكا ( فنزويلا ) , وسقط المشروع الأمريكي بالضربة القاضية في الامم المتحدة القاضي بالتمديد لحظر شراء وبيع الاسلحة من والى الجمهورية الاسلامية ( حتى حلفاء أمريكا لم يصوتوا عليه ) وظهرت عزلت أمريكا أمميا.

على الصعيد السوري : لم تستطيع أمريكا والعدو الصهيوني من تحقيق هدفهما باسقاط الرئيس السوري بشار الأسد والاتيان بنظام موالي لهما , أو عزله عن الحضور على الساحة الاقليمية والدولية , بل تمكن الرئيس السوري بمساعدة محور المقاومة وعلى رأسها الجمهورية الاسلامية وحزب الله وباقي حلفائه مثل روسيا ,من تحقيق انتصارات وتحرير الغالبية العظمى من  اراضيه من وكلاء العدو الصهيوأمريكي , واستثمار تلك الانجازات في تنازل أمريكا عن هدف اسقاطه وجر بعض اعدائه لمفاوضته مثل الامارات المتحدة وحتى أمريكا لتحقيق بعض المكاسب لحفظ ماء وجههم .
على الصعيد اليمني : استطاعت اليمن بصبرها وصمودها مقابل العدوان الصهيوسعودي أمريكي من الثبات بالمرحلة الاولى ,ومن ثم الانتقال الى مرحلة الهجوم وتحقيق الكثير من الانتصارات والانجازات الميدانية , وبمضاعفة مجهودها الحربي استطاعت نقل المعركة الى أراضي الدول المعتدية , مما أجبر العدوان ومرتزقته على الخضوع لعدة مطالب فرضها الردع اليمني وليس أخرها أهم صفقة تبادل للأسرى ( الأخيرة ) منذ بدء العدوان .
على الصعيد العراقي : واجه الأمريكي الخيبة في تنفيذ سياسته اتجاه العراق , الهادفة الى تشتيت المقاومة العراقية واظهارها عدوة التقدم والتطور في العراق , كذلك تقليص الدور الايراني في العراق , من خلال زعزعة الاستقرار الأمني ( اعادة احياء داعش ) وبالتظاهرات وأعمال الشغب التي طالبت باسقاط المرجعية ,والتي باءت كلها بالفشل .
أما على الصعيد اللبناني فالفشل ترافق كالظل في السياسات الامريكية المباشرة او عبر أدواتها من ضغوط اقتصادية ومالية وسياسية في فرض حكومة لا يتمثل فيها حزب الله , ولا يكون شريكا في القرار السياسي , أو فرض قيود على سلاح المقاومة وتحييده , مما اضطره مذعنا لقبول التفاوض حول ترسيم الحدود وارسال رسائل ايجابية في تكليف الحريري تشكيل الحكومة التي يعرف مسبقا أن حزب الله سيكون ضمنا شريكا فيها من خلال تسمية وزراءه والتفاوض على الوزارات التي يريدها , وتقويض شروط البنك الدولي .
لذا نستطيع أن نجزم بأن محور المقاومة كما استطاع في الماضي افشال جميع الحروب النارية الصهيوأمريكية من تحقيق أهدافها ,فهو حتى الأن نجح في افشال الحرب الهجينة الأمريكية بأدواتها ووكلائها من خلال منع تحقيق أهدافها , وبالتالي الثبات في مواقعه واحراز المزيد من التقدم والانجازات في بعض المواقع الأخرى .
من الواضح انه بقدر ما ينجح محور المقاومة في الثبات والصمود وفي احتواء الهجمة الأمريكية , بقدر ما سيجعل الأمريكي في موقع اليائس ,مما سيفرض عليه مجددا التسليم بحقائق الأمور والتعامل معها بديناميكية , وخاصة بوجود تحولات دولية على الخارطة السياسية في المنطقة تفرض على الأمريكي الكثير من الليونة ( تنامي دور روسيا والصين ) .
ان مصير التشكل النهائي لخارطة المنطقة السياسية ومصير شعوبها ,يتوقف على قدر صمود وثبات محور المقاومة والحفاظ على مواقع قوته ومنعته , وتحويل التحديات والتهديدات الى فرص يفرض فيها على الأمريكي اليأس والاحباط , والحرب الحالية حرب الارادات .

 

2021-01-05 14:25:24 | 1247 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية