التصنيفات » لقاءات

«القدس – غزة: معادلات القوة والنصر»

 

 
«القدس – غزة: معادلات القوة والنصر»
 
بتاريخ 6/5/2021، وبمناسبة يوم القدس العالمي، نظم مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية ولجان العمل في المخيمات لقاء سياسياً بعنوان: «القدس – غزة: معادلات القوة والنصر». وقد تحدث فيه كل من رئيس مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية البروفيسور يوسف نصرالله، وممثّلو الفصائل الفلسطينية الآتية أسماؤهم:
زياد نخالة – الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.
محمد رعد – رئيس كتلة الوفاء للمقاومة في البرلمان اللبناني
طلال ناجي – الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة
فهد سليمان – نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
فتحي أبو العردات – عضو المجلس الثوري لحركة فتح.
ماهر الطاهر – مسؤول دائرة العلاقات السياسية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
أسامة حمدان – قيادي في حركة حماس.
أبو نضال الأشقر – أمين عام جبهة التحرير الفلسطينية.
وبحضور كل من:
مروان عبد العال: مسؤول الجبهة الشعبية في لبنان.
إحسان عطايا: ممثل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان.
أبو كفاح غازي: مسؤول الجبهة الشعبية القيادة العامة.
أبو النايف: عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية.
شكيب العينا: مسؤول العلاقات في حركة الجهاد الإسلامي.
حمزة البشتاوي: عضو اللجنة المركزية للقيادة العامة.
محمد ياسين: مسؤول جبهة التحرير الفلسطينية في لبنان.
وليد جمعة: عضو اللجنة المركزية في جبهة التحرير الفلسطينية.
أبو محمد فواز: لجان العمل في المخيمات.
مصطفى اللداوي: أمين سر اتحاد علماء المقاومة.

وتالياً وقائع الندوة:
الدكتور يوسف نصر الله:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. أود الترحيب بكم باسمي وباسم مركز باحث للدراسات، وأشكر لكم حضوركم الكريم وتلبية الدعوة لهذا اللقاء السياسي الذي يعقد ضمن فعاليات يوم القدس العالمي الذي أعلن عنه الإمام الخميني (قدس) سنة 1979. أي بعد أشهر معدودات على انتصار الثورة الإسلامية المباركة. وقد أراد لهذا الابتكار أن يشكل حلقة وصل بين نداءات المسلمين في القدس وبين القضية الفلسطينية ،وأن يعمّق الارتباط الروحي والإيماني بالبعد الجيواستراتيجي للصراع، ليصبح صراعاً وجودياً وصراعاً واعياً لقيمه ورسالته ولأهدافه. وقدّر لهذه المناسبة أن تتمدد وتنتشر في دول وأقطار العالم لتصبح أكبر حدث سياسي سنوي، لأنه يجمع في يوم واحد شعوب الأمّتين العربية والإسلامية وجميع شرفاء وأحرار العالم، تحت شعار التنديد بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين واغتصاب وتدنيس المؤسسات. ولعل الإمام الخميني هو الوحيد الذي تلفت باكراً لأهمية جعل القدس عنواناً لاستنهاض الأمة ،وذلك ربطاً لخلفية إيمانية يتميز بها الإمام، وأيضاً ربطاً بإدراكه الرؤيوي بأن الأمة سوف تبلغ مرحلة تُحرف فيها بوصلة الصراع عن العدو الحقيقي ،ويُدفع بها إلى اصطناع أعداء وهميين جدد، فتكون القدس هي المنصّة التي تعيد تصويب هذا الصراع وتوجيهه. وأيضاً ربطاً بإدراكه الرؤوي بأن الأمّة سوف تبلغ من الضعف والوهن مستوى تتحلل فيه كل عناصر تواجدها لتبقى القدس هي الرابط الجامع القادر على استنهاض هذه الأمة وتحفيزها على بث الوعي بين أبنائها، كما يُبقي على راية فلسطين خفاقة عالية، ويبقي على القضية الفلسطينية قضية ساخنة ومحورية في الصراع، وذلك في مواجهة كل السياسات التآمرية الإسرائيلية والأميركية التي عكفت طوال عقود من الزمن على التواصل مع بعض الشخصيات والرجعيات العربية، ليس على محاولة تجويف القضية الفلسطينية وضرب محتوياتها فحسب للأسف، وإنما على محاولة طمس معالم هويتها ومحاولة اقتلاعها من ذاكرة الشعوب.
وقد تعامل الإمام الخميني مع القضية الفلسطينية على أنها قضية إنسانية وأخلاقية في المحل الأول، لأنها لا يمكن اختزالها على المستوى العربي والفلسطيني، بل يمكن تعميمها للمستوى الإنساني، لأن اغتصاب وطن وتشريد أهله وناسه وتدمير بيوته وإهلاك البشر والحجر ، واستدامة هذه الجريمة على مدى كل هذه السنوات يُعد جريمة على المستوى الإنساني. كما تعامل معها على أنها قضية دينية، وأن القتال في فلسطين هو جهاد في سبيل الله، وأنها فريضة على كل إنسان حر أياً تكن منطلقاته، وأن عطاءات الدم في هذا الطريق هي عطاءات الشهادة، وأن النصر في ساحة الكفاح هذه هو نصر محتوم ومقدّر تكفل به وعد إلهي رباني. كما جعلها الإمام قضية سياسية، حين جعل من حب فلسطين أو عدمه هو المعيار الذي يرسم خارطة التحالفات أو الاستعداءات بلحاظه تحدّد دائرة الأعداء والخصم؛ وأيضاً تحدّد دائرة الأصدقاء والحلفاء. فلا مشروعية وفق هذا الفهم لأي قتال خارج دائرة الاهتمام بالقتال والانشغال بقضية فلسطين، ولا مشروعية لأي اصطفاف أو تحشيد لقدرات ما لم تكن غايته الأولى العودة إلى فلسطين.
طرأت أخيراً مستجدات على الساحة، لناحية أنها تعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وسط دفع أمريكي بإشغال كل قطر عربي بمآزمه الداخلية، في مسعى شيطاني لإشغال وإلهاء الشعوب عن قضاياها الكبرى. بالإضافة إلى إعادة موضعة الداخل الفلسطيني إلى ساحة الصراع مع الإسرائيلي.وقد  تم الكشف أخيراً عن فشل الاستراتيجية الإسرائيلية التي كانت مفعّلة طوال السنوات الماضية، والتي كانت ترى أن الحدث الفلسطيني هو حدث إشغالي لصرف اهتمامها عن مواجهة التهديد الأكثر خطورة على الجبهة الشمالية؛ ولكن سرعان ما تبين لهم أن ما يجري على الجبهة الجنوبية ليس منفصلاً ما يحصل على الجبهة الشمالية، وأن تباهي الإسرائيلي بما يُسمّيه المعركة بين الحروب في الشمال، وفي سوريا تحديداً، كان سبباً أساسياً في تعاظم ما يسمّى اليوم  "معضلة" قطاع غزة.
نرى الاسرائيلي اليوم يقف أمام قلقين: القلق الأول يتأتى من الربط الحاصل في الداخل الفلسطيني، دخول قطاع غزة إلى الساحة، نصرة المقدسيين في نهضتهم ومؤازرة ودعم الشباب الفلسطيني الأعزل في الساحات الأخرى؛ معادلة غزة-القدس دفعت الإسرائيلي مرغماً ليس فقط إلى تبنّي سياسة الاحتواء ووقف التصعيد، والمسارعة إلى تبريد غزة ونزع فتائل التفجير فيها وحسب، بل إلى الانكفاء بلحاظ تبنّيه سياسة السجل المفتوح، التي ترجمت فيه الردود على أي إطلاق من غزة بدعوى احتفاظ الجيش الإسرائيلي بحق الرد وتخيّره الزمان والمكان المناسبين؛ وهذا خلاف العادة بالرد الفوري على أي إطلاق من غزة، وهو يؤشر على تقويض الردع الإسرائيلي، وعلى أن هناك متغيراً جديداً دخل على الصراع، وهو أن الزمن الذي يُستفرد فيه الفلسطيني قد ولّى دون رجعة، وأن الزمن الذي كانت  فيه المواجهة  مجتزأة قد بات من الماضي، وأننا اليوم أمام معادلة جديدة هي المواجهة الشاملة، وأن المقاومة هي حامية الفلسطينيين أينما كانوا أو وجدوا.
القلق الثاني هو تحوّل المقاومة الفلسطينية إلى حالة تشبه حزب الله؛ وبالتالي امتناع الاسرائيلي وعجزه عن الاعتداء على الفلسطينيين. ومرادف لهذا القلق هو تحسين المقاومة الفلسطينية لدقة قوتها الصاروخية وتحويل كل ترسانتها إلى أسلحة ذكية، وتأثير ذلك على كل مستقبل الصراع مع العدو الاسرائيلي. ثمة أسئلة تحتاج إلى نقاش وإلى موقف وهي ضمن محورين: المحور الأول: هل ستمضي المقاومة الفلسطينية في فرض معادلة الربط بين غزة والقدس وسائر ساحات الداخل الفلسطيني وتكريس وتعزيز منطق المقاومة واقتدارها العسكري لحماية الفلسطينيين؟ ، أما المحور الثاني، فهو حول تأثير هذه التطورات على مسارات التطبيع من ناحية تقويض الجهود الاسرائيلية المبذولة في استمالة الرأي العام العربي ودفعه باتجاه أعداء آخرين؛ وبالتالي قدرة هذه التطورات على عودة استنهاض الوعي العربي المقاوم وإعادة إدخاله كعنصر حاسم في الصراع؟
هذه الأسئلة وسواها هو ما سيعمل هذا اللقاء على توفير الإجابات عنها.
الأستاذ زياد نخالة:أمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين
أولاً، بمناسبة شهر رمضان المبارك، وبمناسبة يوم القدس الذي يمثّلنا جميعاً، والذي أتى كعنوان موحّد للأمة، وفي وقتٍ كانت فيه فلسطين والأمة بحاجة لعامل وحدوي في ظل الظروف السياسية الموجودة. العبرة في هذا اليوم هي في  اختيار التوقيت؛ فاختيار الإمام الخميني أن يكون يوم القدس في شهر رمضان المبارك، وفي الأيام الأخيرة التي تحظى باهتمام كل المسلمين في العالم، واختيار المسجد الأقصى كعنوان لما يعنيه للمسلمين والمسيحيين، والتركيز على أن هذا المكان المقدّس المُسيطَر عليه من قبل العدو الصهيوني. لذلك أتى هذا اليوم تحت عنوان توحيدي للأمة العربية والإسلامية، وتوحيد كافة المذاهب والتيارات المختلفة ،لأن مجتمعاتنا فيها تيارات متعددة. ومن لطف الله تعالى أن يوم القدس أتى كعامل مشترك بين الجميع، وقد لقي هذا اليوم إجماعاً شاملاً، مع وجود بعض الاعتراضات التي لها خلفيات سياسية، كون الإمام الخميني هو الذي دعا لهذا اليوم؛ فهم ادّعوا أن هذا اليوم هو يوم إيراني، إلا أن عنوان هذا اليوم هي القدس، والقدس هي فلسطين والإسلام والعرب والمسيحيين؛ لكن التيارات التي تخدم الولايات المتحدة، والتي تخدم العدو الصهيوني، تريد أن تهدم هذه الأمة؛ ولذلك وضعت عقبات مثل أن هذا اليوم إيراني، ويجب أن لا نحتفل بهذا اليوم  لاعتبارات مذهبية.
أيضاً، هناك تيارات قوية في الأمة تتبنّى هذا الخيار، وتدرك طبيعة  الهجمة المضادة؛ لذلك صمد هذا اليوم، وصمدت كل القوى التي تؤيد أن يكون يوم القدس يوماً لكل الأمة بكل تكويناتها؛ ولذا نحن اليوم نحتفل بهذا اليوم الكبير والتاريخي، والذي يرتقي لأن يكون يوماً مقدساً لحياة المسلمين. واختيار الإمام لأن يكون هذا اليوم آخر جمعة من شهر رمضان المبارك لم يكن اختياراً عفوياً، بل نحن نلمس بركات تحديد هذا الخيار في وحدة الأمة والاحتفالات التي تمتد عاماً بعد عام لتملأ وجه الكرة الأرضية. فأصبح يوم القدس يوماً يحتفل به كل العالم للحفاظ على حق الفلسطيني، ولمعارضة  العدوان الإسرائيلي الصهيوني الذي يقع على الفلسطينيين.
هذا اليوم هو يوم مبارك على المسلمين والمسيحيين. ففي القدس هناك المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، والذي نعتبره كأمّة إسلامية محور التاريخ والجغرافيا والحضارة. فالصراع على القدس سيبقى مستمراً حتى  تحقيق الانتصار؛ لذلك لا يستهين أحد بها.
القدس هي الضلع الثالث من مثلّث الوحي الإلهي: مكّة- المدينة- بيت المقدس. وأخيراً، شكراً لكم وكل عام وأنتم بخير.
الحاج محمد رعد:رئيس كتلة الوفاء للمقاومة
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أولاً يسعدنا أن نلتقي في رحاب شهر الله لنعيش قضيتنا المركزية بحيويتها الحضارية والعقائدية والاستراتيجية، حيث أراد الإمام الخميني من خلال تخصيصه ليوم القدس العالمي أن يكون يوم تكثيف البعد الحضاري والاستراتيجي لنقطة أو جوهر الصراع القائم بيننا وبين قوى العدوان في العالم. أراد الإمام لنا أن نفهم القدس باعتبارها المكثّف الحضاري الذي لا يمكن أن يزول عطره مع تقادم الزمن، ولا أن يزول إشعاعه مع تقادم الزمن؛ بل على العكس، فهو يتجوهر مع تقادم الزمن. وعندما  نعبّر بالمكثّف نقصد الجوهر الأساسي لقضيتنا الذي هو تحدي الظلم، والعدوان والاحتلال؛ تحدي العبودية والمذلة والمهانة، والوقوف مع ما يليق بكرامة الإنسان وحقه في سيادته، في وطنه، وفي تحديد مصيره. هذا المكثّف عُمّي عليه من قبل قوى العدوان، أنظمة ومؤسسات؛ وانساق مع هذا العمل منظمات متخصصة في كي الوعي وفي تجفيف الذاكرة؛ لكن الذي وقف بصلابة دون أن تحقق هذه المنظمات والجهود أهدافها التي عملت عليها، هو وقفة الشعب الفلسطيني وإرادته، وفهمه لأبعاد قضيته.
في الحقيقة، عندما نستعرض ،ولو على سبيل التمثيل، بعض الحكايا الفلسطينية القديمة، وبعض قصص العجزة من فلسطين؛ بعض التراث الفلسطيني، وبعض أسماء البلدات والشوارع والتيارات، فإنما هذا يصب في مواجهة العمل المدروس والموجّه لتجفيف ذاكرة الشعب الفلسطيني، لأنه طالما  هناك تواصل فعلي ميداني وتاريخي ونضالي بين الشعب الفلسطيني وبين أمّه القدس طالما هناك مقاومة ومواجهة وتحدي. والقصد هو إلغاء هذه الروح لدى الشعب الفلسطيني؛ لكن وقفة هذا الشعب ، ووعيه، وتنامي هذا الوعي، مع مواصلته للصراع بكل الأشكال ضد العدو الصهيوني الغازي والمحل، هو الذي حفظ للقضية تألّقها وفرضها على العالم بأسره؛ ولا يمكن أن يستقر أمن في المنطقة ولا سلام في المنطقة ما لم نستعد ونحرّر فلسطين ويخرج المحتل من أرض فلسطين. هذا هو المعنى الأول الذي نستشفّه من تخصيص يوم القدس كيوم عالمي للتضامن مع القدس وقضيتها وشعبها، وتبيين عدالة هذه القضية وأحقيتها.
الأمر الآخر الذي نلتفت له في يوم القدس، أن القدس على مدى التاريخ كانت المؤشر على صحة وضع الأمة. فعندما تكون القدس معافاة، تكون الأمة في أحسن عافية؛ ولكن عندما تكون القدس قد أصابها صداع أو تفكك أو تعرضت لعدوان أو غزو أو استيطاني، عندها نستشعر أن  الأمة لا يمكن أن تحقق وحدتها أو تبني قدراتها أو تحقق تنميتها، ما لم تستعد القدس عافيتها وأمانها واستقلاليتها وسيادتها. هذه حقيقة تاريخية، وهي محل استفادة.
الأمر الآخر، والذي نستفيده مما يحصل اليوم في القدس، أن ذاكرة الشعب الفلسطيني هي ذاكرة متوهجة، وإرادته هي إرادة قوية تستأصل من يلوي ذراعها، طاغٍ أم جبّار. والدليل على ذلك هو هذا الجيل الذي يواجه الاستيطان؛ نحن نفهم،  حضارياً وعينياً، أنه بعد مرور خمسين أو ستين سنة على الاحتلال أن ينبت شعب متوهج بالمقاومة، يرفض الاحتلال ومصافحته ويحن إلى اللحظة التي ينتهزها فرصة ليقلبها عليه. وما كان لهذا التوهج في الأجيال الصاعدة الفلسطينية، المقدسية بالتحديد، لولا إبقاء جذوة المقاومة الفلسطينية مستعرة ومتوهجة على امتداد الوطن الفلسطيني بكل الأشكال المتاحة. فكل شكل من هذه الأشكال المتنامية في دفق وتيار المقاومة، مع تنامي الخبرات، ليس الفلسطينية فحسب، بل قدرات الأمة العربية والإسلامية، التي راح وعيها يستيقظ من غفلته ليجد أن سبيل الخلاص لاستقرار وسيادة الأمة له مدخل طبيعي واضطراري وحيد هو استعادة القدس وتحرير فلسطين؛ وبمعنى آخر زوال العدوان الجاثم في قلب منطقتها وفي قلب عالمها العربي والإسلامي.
هكذا نفهم صراعنا مع العدو، وهذه هي  منطلقاتنا في فهم هذا الصراع. أما بالنسبة لمعادلة الصراع، فهي معادلة متغيرة لمصلحة  المقاومة، وإن كنا طبّلنا وزمّرنا لقطار المطبّعين المنهزمين الذين طويت صفحتهم، لأن لا جمهور لهم وليسوا من أصحاب هذه القضية. الآن هؤلاء ليسوا شيئاً في المعادلة؛ فالذي يرسم معادلة الصراع ويتحكم بها هم أصحاب الخيار المقاوم، الذي يجد قاعدته في أكثر من بلد في العالم العربي والإسلامي، ويمتد ضمن تيار يحاول أن يستقر من أجل أن يرفد المقاومة الفلسطينية والمقاومة العربية في محيط فلسطين بكل وسائل الدعم والمساندة، حتى يتحقق الهدف الأساس لهذا الخيار المقاوم ،وهو تحرير فلسطين من البحر إلى النهر.
نحن في يوم القدس العالمي نؤكد أن مواصلة  تبنّي خيار المقاومة وعدم التقصير في تحمّل أعباء هذا الخيار، وبذل الجهد من أجل تحقيق المزيد من الإنجازات على قاعدة هذا الخيار، والبحث عن سبل لمّ الشمل وتنسيق الجهود والحرص على توحيد الموقف الوطني، يؤسس لعمل أومستوى أعلى من التنسيق، مع إعادة النظر والمراجعة ضمن الساحة الفلسطينية لمصلحة خيار المقاومة ولمصلحة أهداف هذا الخيار. نشدّ على أيديكم، ونحن في صلب معركتكم إلى أن يحقّق الله على أيدينا وعلى أيديكم ما نصبو إليه من عزّة وكرامة وسيادة لنا في أوطاننا، والحمد لله رب العالمين.
الدكتور طلال ناجي:الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة
بسم الله الرحمن الرحيم؛ أولاً شكراً جزيلاً على هذه الدعوة في هذه الأيام الفضيلة من شهر رمضان المبارك. لا شك أن يوم القدس العالمي له خصوصية في العالم العربي والإسلامي. نحن جميعاً نظرنا بتقدير إلى سماحة الإمام الخميني (قدس) عندما أطلق هذه الدعوة الكريمة، بأن يُحتفى في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، وأن يكون يوم القدس العالمي نُصرة لأهلنا في القدس، لأنها ليست مدينة تخص الفلسطينيين فقط بل تخص كل المسلمين والشرفاء في العالم.
هذه الدعوة التي جاءت من إمام عظيم وفي أيام عصيبة، في أجواء اتفاقات كامب-دايفد وغيرها، وكانت قد خرجت أكبر دولة عربية (مصر) من صف المواجهة ضد العدو الإسرائيلي، وكنّا نشعر بالإحباط وقتها، خاصة أن مصر كانت تتولى قيادة الأمة سياسياً وعسكرياً، وإذا بها تُبرم اتفاقاً مع "إسرائيل" وتتخلى عن القضية الفلسطينية وعن الأمة العربية.
جاءت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 كتعويض إلهي، ثم جاءت دعوة الإمام الجليل؛ وهو احتفى بهذا اليوم تأكيداً لمعاني أن تكون هذه المدينة تخص كل المسلمين والمسيحيين الشرفاء في العالم قاطبة. فهي أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، وفيها كنيسة القيامة للسيد المسيح عليه السلام؛ فهي تتميز عن باقي المدن بخصوصيتها وفرادتها بدليل ما وقع عندما أطلق الإمام الجليل هذه الدعوة، وكان لها صدى عند عموم المسلمين وفي العالم؛ وبعد مضي أكثر من 42 عاماً، لا يزال العالم يحتفي بهذا اليوم، حيث يتواجد شرفاء المسلمين والمسيحيين منددينّ بهذه الغزوة الهمجية الصهيونية التي تصادر تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا.
لذلك نحن  نحيي في هذا اليوم روح الإمام الخميني. والإمام الخامنئي (أدام الله ظلّه) لا يزال متمسكاً بهذه القضية، ويحرص عليها بنفسه. وهو في كل عام يحضّ المسلمين في العالم أجمع على إحياء يوم القدس . وقد أثّر هذا اليوم بالفعل في مسارات نصرة القدس. وأيضاً، في هذه المناسبة أحيّي روح الشهيد الخالد، الشهيد قاسم سليماني ،الذي كان من دواعي الشرف لنا ان يُكنّى باسم قائد فيلق القدس، بل فيالق القدس. فقد وضع نُصب عينيه توصيات وتوجيهات الإمام الخميني (قدّس سرّه) والإمام الخامنئي (دام ظلّه) بالعمل من أجل نصرة وتحرير القدس، وأن تكون القدس من أولوياته؛ وهو استُشهد على هذا الخط ومن أجله.
أيها الأعزاء، أريد أن أغتنم هذه المناسبة للتحدث عن محاولة تشويه وطمس معالم القدس من قبل العدو الإسرائيلي؛ القدس لم تكن يوماً عاصمة للصهاينة؛ بل هي مدينة لسكانها من العرب المسلمين والمسيحيين. وهم ا يحاولون اليوم  تهويد معالمها وتشويه المعلومات والثقافة العامة بشأنها.
أولاً، في حرب 1948، عام النكبة، شرّد 800 ألف فلسطيني، في حين كان يسكنها مليون و400 ألف كانوا يعيشون في ألف و300 قرية ومدينة فلسطينية.
عام 1967، هُجِّر 200 ألف فلسطيني من قرى الضفة الغربية،فيما ارتكب الاحتلال 70 مجزرة في قرى ومدن فلسطين منذ نهاية ثلاثينات إلى مطلع الخمسينيات.
بلغ عدد الفلسطينيين عام 1914، قبل وعد بلفور، 690 ألف نسمة؛ وكانت نسبة اليهود 8%، عدد كبير منهم كانوا قد هربوا من روسيا القيصرية نتيجة مذابح ارتكبت ضدهم!
عدد الفلسطينيين الآن، في عام 2020، أصبح 13 مليون و700 ألف، يعيش 5 مليون و200 ألف منهم في الأراضي المحتلة عام 1967: 3 مليون و100 ألف في الضفة الغربية، ومليونان و100 ألف في قطاع غزة. حوالي مليون و600 ألف فلسطيني يعيشون في الأراضي المحتلة عام 1948.
وقد بلغ عدد الفلسطينيين في الدول العربية المجاورة لفلسطين 6 مليون و200 ألف.
وبلغ عدد الفلسطينيين في الدول الأجنبية 738 ألف.
يسيطر الاحتلال الآن على أكثر من 85% من المساحة الكلية لفلسطين.
كان اليهود، في عهد الانتداب البريطاني، يسيطرون على ألف و682 كيلومتر مربع من المساحة الفلسطينية التاريخية، أي بنسبة 6.2%.
مساحة شطري القدس 126 كيلومتر مربع، أي ما يعادل 2.1% من مساحة الضفة الغربية؛ تحت سيطرة الاحتلال 72 كيلومتر مربع، أي 54 كيلومتر مربع تحت سيطرة الفلسطينيين. طرد الاحتلال ما يُقارب 160 ألف مقدسي خارج جدار الفصل العنصري في القدس، وصنّفوهم أنهم لا يملكون الهوية التي تُتيح لهم البقاء في القدس.
صادر  العدو زهاء 35% من مساحة القدس تحت ذريعة المصلحة العامة. واستولى الاحتلال على 52% من المناطق التي أصبحت شوارع، وهو يستولي حالياً على 87% من مساحة القدس، ولم يبق للفلسطينيين غير 13%، أي 14.3 كيلومتر مربع يمكن أن يبني عليها.
عدد سكان القدس العرب عام 1967 كان 70 ألفاً في شرق القدس؛ وحالياً يوجد 320 ألف فلسطيني. يبلغ عدد المستوطنين اليوم في شرق القدس 220 ألف نسمة؛ أما إذا جمعنا القدس الغربية والشرقية، فالأغلبية ستكون لليهود؛ ففي الغربية يوجد 560 ألف يهودي.
استغل الإسرائيلي تصنيف الأراضي حسب اتفاقية أوسلو. تبلغ مساحة المنطقة أ 18% من مساحة الضفة، ومن المفترض أن تكون تحت سيطرة الفلسطينيين إدارياً وأمنياً.وتبلغ  مساحة المنطقة ب 22% من مساحة الضفة الغربية؛ وهذه فيها سيطرة أمنية للسلطة الفلسطينية نظرياً، فيما تبلغ مساحة المنطقة ج 60% من مساحة الضفة الغربية، وهي تحت سيطرة الاحتلال بالكامل: أمنياً وإدارياً.
بلغت مساحة نفوذ المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية 542 كيلومتر مربع. أما في نهاية العام 2020، فتمثّل مدينة القدس ما نسبته 10% من مساحة الضفة الغربية بموجب المخططات الإسرائيلية.
المساحات المصادرة للقواعد العسكرية والتدريب نسبتها 18% من مساحة الضفة الغربية، بينما يبلغ طول الجدار الذي بُني من شمال الضفة إلى جنوبها 770 كيلومتر،وهو  يعزل 10% من مساحة الضفة الغربية بسكانها.
ويبلغ طول الجدار المحيط بالقدس 202 كيلومتر، غير جدار الضفة.
بلغ مجموع الاستعمارات الإسرائيلية والقواعد العسكرية في نهاية العام 2019، في الضفة الغربية، 461 موقعاً، منها 151 مستعمرة،و 26 بؤرة مأهولة تم اعتبارها أحياء تابعة لمستعمرات قائمة و140 بؤرة استعمارية.
بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية 688 ألفاً و262 مستعمر في مطلع العام 2020، بمعدّل نمو سكاني 2.6%. ويتضح من البيانات أن 46% من المستعمرين يسكنون في محافظة القدس، حيث بلغ عددهم 316 ألفاً و176 مستعمر، منهم 232 ألفاً في القدس.
نسبة المستعمرين إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية هي  23 مستعمر مقابل 100 فلسطيني، وأعلاها وصل إلى 69 مستعمر مقابل 100 فلسطيني.
بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين منذ النكبة عام 1948 حوالي 100 ألف شهيد. عدد الشهداء منذ انتفاضة الأقصى 10 آلاف و969 شهيد. خلال العام 2020 بلغ عدد الشهداء 43 شهيداً، منهم 9 شهداء أطفال و3 سيدات، بينما بلغ عدد الجرحى 1650 جريح.
بلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال خلال العام 2020، 440 أسيراً، منهم 170 أسرى أطفال دون 18 سنة؛ إضافة إلى 35 أسيرة، بينهن 12 أماً. بلغ عدد حالات الاعتقال  4634 حالة خلال عام 2020 ،من بينها 543 طفلاً و128 امرأة.
وعليه، أقول إن القدس في خطر، رغم كل المواقف المشرّفة التي فرضت على العدو التراجع. وهم الآن يطردون أهلنا من حج الشيخ الجراح، ويسكن المستوطنون مكانهم بعد أن طردوا أهلنا من حي المغاربة.
القدس اليوم بحاجة للمساندة والمؤازرة والدعم. فهي تمثّل الجميع دون استثناء، وهي في خطر حقيقي.
الأستاذ فهد سليمان: نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
الشكر بداية لمركز باحث على دعوتنا لهذا اللقاء التضامني الذي يعنينا جميعاً.
الثورة الإيرانية هي حدث تاريخي بكل المقاييس؛ فهي تحتفظ بهذه السمة، حتى لو اقتصرت على ما جرى عام 1979. وإلى هذا الحدث نزيد الحدث الأممي الذي نجحت الدولة الإسلامية الإيرانية في إضفائه على الحدث الكبير؛ أي أن الثورة الإيرانية لم تكن حدثاً قومياً فحسب، بل هي  أعطت لنفسها بعداً أممياً ، بوضعها لنفسها جدول أعمال يشمل العالم بأسره إذا ما نظرنا إليه من زاوية نصرة المضطهدين، والمظلومين، والشعوب التي تسعى للانعتاق من نير الامبريالية.
إذاً، هذه مناسبة أممية بامتياز. وهي موجّهة إلى كل أحرار العالم، وإلى المسلمين، وإلى العرب، وإلى كل أحرار العالم.
أود أن أتكلم عن عنوانين مهمين:
أولاً: فلسطين، هي رواية المكان، تجمع ما بين المقدّس والتاريخي والكفاحي؛ ونادرا ًما تجد مكاناً في فلسطين لا يملك واحداً من هذه المدلولات أو هذه المدلولات مجتمعة.
بالنسبة لأبناء فلسطين، لكل مكان مدلول، ولكل مكان رواية، ولكل مكان برنامج، ولا أريد أن أتوغل كثيراً في التاريخ، ولكن سأذكر بعض الإشارات.
عندما نتكلم عن قطاع غزة، المدلول يكون المقاومة. عندما نتكلم عن مخيّم جنين، الذي جسّد مقولة العين التي تقاوم المخرز عندما صمد أكثر من 30 يوماً في وجه الجيش الإسرائيلي، فالمدلول هنا هو  العين التي تقاوم المخرز. وعندما نتكلم عن القدس فنحن نتكلم عن بوّابات القدس.
عندما قرّر المركز القيادي في منظمة التحرير  تأجيل الانتخابات، والذي يعني إلغاء الانتخابات، متذرعاً بعدم قدرته على إجرائها بسبب الرفض الإسرائيلي، قلنا له مباشرةً: الانتخابات في القدس لا تجري ببيان، ولا بالمطالبة بتطبيق بروتوكولات أو تدخلات، بل من خلال البوابات: بوابات الأقصر عام 2017 التي كسرت إرادة المحتل، مصلّى باب الرحمة عام 2019 الذي أحبط المشروع الإسرائيلي بإقامة الكنيست في هذا المكان المقدس. ومن خلال البوابات لا نستطيع أن نجري الانتخابات رغم أنف الإسرائيليين فحسب، بل نستطيع ان نتقدم على طريق النضال والتحرر الوطني والوحدة الفلسطينية.
بالنسبة لنا في فلسطين، المكان هو الرواية، الأمكنة هي الرواية؛ ونزعم أن الخريطة هي البلدان في العالم التي تجمع الكم الكبير من الأمكنة التي تملك هذه المدلولات. القدس مقدسة بما تنطوي عليه من قيم دينية وروحية وإيمانية وتاريخية وإنسانية وثقافية وحضارية. وكل سنتيمتر مربع من القدس هو مكان مقدس.
أما العنوان الثاني،فهو غزة المقاومة، ماذا تعني بالنسبة لنا بالنسبة للتقدير الاستراتيجي؟
الآن، القوة العسكرية الموجودة في غزة تندرج في إطار المنظومة الدفاعية التي تنطوي على مفهوم الردع. عندما تستطيع هذه الرقعة الصغيرةبمساحتها، الكبيرة بعدد سكانها، أن تبني مدينة تحت الأرض لتدير من خلالها العمل المقاوم، فهذا إنجاز كبير نعتز به ونفخر به ونعتمد عليه.
ونوجّه الشكر لكل من أسهم في بناء هذا الصرح الكبير للمقاومة الفلسطينية. أقول هذا مؤكداً بأن أي استراتيجية دفاعية عندما تطوّر أسلحتها تنتقل من صواريخ المساحة إلى الصواريخ النقطية إلى الصواريخ الدقيقة.
يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن المقاومة الفلسطينية تجمع كل أشكال النضال،. لذلك ،بوابات القدس تلتقي مع صواريخ غزة، وبوابات غزة تلتقي مع صواريخ القدس بعد وقت قريب إن شاء الله. وشكراً لكم.
الأستاذ فتحي أبو العردات: أمين سر حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وشكراً للأخ العزيز الدكتور يوسف نصر الله على الدعوة. في البداية لا بد من الإشارة إلى أهمية إعلان سماحة الإمام الخميني، المرشد للأعلى للثورة في إيران، رحمه الله، بعد انتصار الثورة الإيرانية، يوم القدس العالمي في آب 1979، الجمعة الخيرة من شهر رمضان المبارك، ليصار  إلى إحياء هذه المناسبة في كل عام لنصرة القدس والمظلومين.
ولهذا اليوم أهمية بالغة، باعتبار ان القدس، وقبل أن تكون عاصمة لدولة فلسطين ،هي تشكّل عامل وحدة لأديان سماوية: الإسلامية والمسيحية ؛فهي قبلة المسلمين الأولى ومسرى نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلّم؛ وفيها دُفِن سيدنا المسيح عليه السلام . وهي تشكّل عامل وحدة لكل فئات الأمة ، على اختلاف العقائد والمذاهب والأديان فيها.
القدس هي ركن من هويتنا العربية والإسلامية، ولا يمكن أن تكتمل هويتنا دونها. الثورة الإسلامية في إيران هي  التي رفعت أول شعار لها بعد انتصارها: اليوم إيران، وغداً فلسطين. وقد حوّلت وكر الجواسيس في السفارة الأميركية إلى أول سفارة لدولة فلسطين؛ فتحيّة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في صمودها، لأن المقاومة هي عملية صمود في أعتى المواجهات.
ونذكر هنا أنه في  عام،1978أُقيم مهرجان  في الأونيسكو لدعم الثورة الإيرانية، حضرته كل الفصائل الفلسطينية، وكان هناك وفد من الثوار الإيرانيين، تحدث فيه الشهيد أبو عمّار وكل الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، دعماً للثورة في إيران. اقترب أحد الصحافيين من أبو عمار وسأله: أنت تدعم الآن الثورة الإيرانية لكنها لم تنتصر بعد؛فأجابه أن القضية مبدأ، وأؤكد  لك أن الثورة ستنتصر؛ وهي فعلاً انتصرت.
فنحن كفلسطينيين كنّا  منذ البداية نشعر أننا نرتبط بهذه الثورة ارتباطاً وثيقاً، لأننا كنّا نعتبر أن انتصار الثورة في إيران سيقرّب المسافة من القدس.
اليوم نحيي يوم القدس العالمي في ظل ارتفاع وتيرة الهجمة الصهيونية ضد الفلسطينيين في المدينة المقدسة، التي شهدت أخيراً أحداثاً متسارعة وهجمات من قبل قوات الاحتلال على المصوّرين والموجودين في باب العامود. كما كثّفت جماعات المستوطنين من اقتحاماتها للمسجد الأقصى واستفزازها للمصوّرين وللمواطنين؛ وبلغ الأمر حدّ قيام ما يسمى بتراث جبل الهيكل بتوجيه رسالة إلى وزير الاحتلال لمطالبته  بالسماح لليهود بإدخال الطعام والشراب إلى الأقصى في شهر رمضان، والسماح لهم بتناولها في ساحات المسجد الأقصى. كما مارست سلطات الاحتلال أقصى أنواع العقوبات والانتهاكات الاستفزازية بحق المقدسيين والأقصى، خاصة في بداية شهر رمضان المبارك، حيث تعمدت سلطات الاحتلال إغلاق الطرق المؤدية إلى باحات الأقصى والبلدة القديمة بحواجز عسكرية لأداء صلوات الجمعة الثلاث، واعتدت على مدار 18 يوماً على المصلّين بعد خروجهم من صلاة التراويح؛ كما شهدت منطقة باب العامود مواجهات ليلية مع شرطة الاحتلال والمستوطنين، أصيب خلالها العديد من المواطنين العزّل، فاعتقلت وأبعدت العديد ومنعت المئات من دخول الصلاة وحجزت الحافلات، وأحاطت البلدة القديمة والمسجد الأقصى بسلسلة من الحواجز ومئات العناصر من شرطة الاحتلال.
لكن القدس قالت كلمتها ،بصمود المقدسيين في مواجهة شرطة الاحتلال ،ما أجبرها مساء الأحد الماضي على الانسحاب من باب العامود وإزالة حواجزها بعد ثورة أهل القدس والمرابطين في الأقصى الشريف ؛وهذا نتيجة الصمود ووحدة الموقف الميداني الفلسطيني.
إن انتصار شعبنا في القدس أثبت للاحتلال وللعالم أنه لا يمكن سلخ 360 ألف مقدسي من العمق الفلسطيني والعربي والإسلامي؛ ولن يستسلم شعبنا، بل سيقاوم لمنع فصل القدس عن الضفة الغربية وقطاع غزة. فالمواجهات التي يخوضها شعبنا في القدس، والمعركة السياسية التي نخوضها اليوم ضد الاحتلال نسفت كل أثر لصفقة ترامب أو صفقة القرن بسبب صمودنا. فمعركتنا الحقيقية هي اليوم في القدس، بمشاركة فصائلنا  وشعبنا وحركتنا التي قدّمت ياسر عرفات شهيداً عندما لم يقبل التنازل عنها، وحوصر بسببها مما أدى إلى اغتياله. إن كل انتفاضات شعبنا كانت من أجل القدس، من انتفاضة الأقصى إلى معركة البوابات، ثم باب الرحمة؛ وأخيراً انتصار باب العامود بإجبار العدو على فتحه. ومعركتنا اليوم تندرج في إطار الدفاع عن القدس المحتلة؛ واليوم يدفع أبناء شعبنا التضحيات العظام لأنهم يمارسون السيادة الفلسطينية في القدس؛ فهي كانت وستبقى لبّ الصراع والمعركة المفتوحة مع الاحتلال لفرض سيادتنا باعتبارها عاصمة دولة فلسطين.
إننا نستذكر اليوم ما قاله الشهيد ياسر عرفات: "ليس منّا وليس فينا من يتخلى عن القدس". فالمطلوب منّا ومن كل الفصائل الفلسطينية تعزيز وحدتنا الفلسطينية، وتعزيز المقاومة بكل أشكالها واستمرارها وتصاعدها، ووضع خطة ضمن برنامج وطني جامع تعدّه القيادة الفلسطينية، وتتولّى تسهيل ودعم المقاومة بشتى الوسائل الممكنة، لأن الاحتلال يريد أن يبقى بلا كلفة، وأن يكرّس ما يريده في ظل الانقسام والاختلاف بين الفصائل.
لذا، من الأهمية بمكان الاستمرار في الحوار ووضع الأمور الخلافية جانباً، والذهاب إلى استكمال ما تم الاتفاق عليه في لقاء الفصائل والأمناء العامين في بيروت، ورام الله وتركيا والقاهرة وغيرها. وعلى المجتمع الدولي، بكل مؤسساته ومنظماته الدولية، وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ممارسة مسؤولياتهم للحد من هذه الممارسات الإحلالية، سيما في مدينة القدس، وإجبار سلطات الاحتلال على الرضوخ للقانون الدولي والسياسي لمدينة القدس، كونها مدينة محتلة ينطبق عليها ما ينطبق على المدن المحتلة التي تشملها اتفاقيات جنيف الأربع.
إن الوضع القائم في مدينة القدس، وإبعاد المناضلين ورجال الدين عنها، وكذلك في الضفة الغربية وقطاع غزة، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة، يفرض أولاً على المحكمة الجنائية الدولية قول كلمتها؛ كما يفرض على مجلس الأمن الدولي وضع نظام خاص للحماية الدولية؛ ويفرض ثالثاً عقد اجتماع  عاجل لأطراف اتفاقية جنيف الرابعة لضمان التزام "اسرائيل" بتلك الاتفاقيات.
لقد علّمتنا غزة، بمقاومتها الباسلة ووحدة الميدان ومسيرات العودة، الكبرى دروساً في الصمود والكرامة والمقاومة والعزة. وهي استطاعت دحر وردع الاحتلال ووضع حد لاجتياحاته، وأصبح قادة وجنرالات العدو يحسبون ألف حساب لأي مغامرة بالهجوم على غزة التي أصبحت تكلفتها باهظة بالنسبة لهم.
في هذه المناسبة نحيّي صمود أهلنا في غزة والضفة والـ48 والشتات، وندعو إلى استعادة الوحدة الفلسطينية لتمكين شعبنا من الخروج من حالة اليأس والحصار التي يعانيها بسبب العدوان المستمر عليه. كما نؤكد على ضرورة إعادة إعمار ما تهدم في غزة نتيجة العدوان.
إن انتصار شعبنا في القدس وفي عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة على الاحتلال لن يكتمل إلا بإعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، لأن لا سبيل لتحقيق آمال وطوحات شعبنا إلا بالوحدة.
التطبيع هو خنجر مسموم في خاصرة الشعب الفلسطيني.
الأستاذ ماهر الطاهر: مسؤول دائرة العلاقات السياسية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
كل الشكر لمركز باحث وللصديق العزيز الدكتور يوسف نصر الله، الذي أتاح لنا هذا اللقاء بمناسبة يوم القدس العالمي في ظل التطورات العميقة والخطيرة التي تمر بها القضية الفلسطينية والمنطقة والعالم الإسلامي.
أولاً، أتوجه بالتحية للشعب الإيراني الشقيق والثورة المباركة التي أحدثت تحولاً استراتيجياً في المنطقة لصالح القضية الفلسطينية، منذ لحظة انتصارها الأولى وحتى هذه اللحظة. وهي واجهت كل الضغوط والتحديات والحصار والمخططات التي استهدفتها، بسبب وقوفها المبدئي إلى جانب أهم قضية في هذا العصر؛ وكانت إيران على استعداد، ولا تزال، لدفع كل ما يترتب من أثمان بسبب موقفها من القضية الفلسطينية، ومن القضايا العادلة في المنطقة وفي العالم بأسره.
ثانياً، عندما أطلق الإمام الخميني صرخته ونداءه التاريخي حول القدس، وحدّد الجمعة الخيرة  من رمضان يوماً للقدس.،هو حدّد نظرته الاستراتيجية الثاقبة والبعيدة المدى حول أهمية القدس ومحوريتها في مواجهة العدو الصهيوني، الذي يضع في قلب مخططاته السيطرة على المدينة المقدسة. واليوم، فإن الصراع على القدس يحتدم، وشعبنا الفلسطيني الصامد على أرض فلسطين برهن عن التزامه بالقدس عبر انتفاضاته وجهاده المتواصل ودمائه الزكية، وأحدثها وليس آخرها هبّة القدس والأقصى، التي أرسلت رسالة واضحة لقادة ومستوطني الكيان بأن لا تحلموا بالسيطرة على القدس، وأننا سنحميها بأرواحنا ودمائنا مهما كان الثمن.
عاماً بعد عام، يزداد الاهتمام بيوم القدس العالمي، وهذا الأمر فيه معنى عميق.يجب إحياء هذه المناسبة في العواصم العربية والإسلامية والعديد من العواصم العالمية.
ثالثاُ،إن الدمعة في عيوننا والحزن في قلوبنا؛ لكنه الحزن المقرون بالاعتزاز، لأننا نحيي يوم القدس العالمي بغياب شهيد القدس، شهيد فلسطين، شهيد الحرية في العالم ، قمر الشهداء قاسم سليماني، والشهيد أبو مهدي المهندس، رحمهما الله، مؤكدين العهد للشهيدين ولكل الشهداء بأننا سنواصل درب المقاومة والجهاد حتى يرتفع علم فلسطين فوق القدس، وحتى يرتفع علم فلسطين فوق كل ذرة من تراب فلسطين من بحرها إلى نهرها.
رابعاً، قضية فلسطين، وبعد توقيع اتفاقات أوسلو، تم تشويهها كقضية تحرر وطني،  وحدثت انقسامات حادة بين أبناء الشعب الفلسطيني بعد هذه الاتفاقيات؛ ونحن  نعيش تداعيات ذلك حتى الآن، حيث لمسنا أن الهدف الأساسي لقيام الكيان الإسرائيلي كان ولا يزال من وراء هذه الاتفاقيات هو  تمزيق مشروع التحرر الوطني. لذلك، وعلى ضوء التجربة، لا بد من إصلاح الأمور وتصويبها على قاعدة أننا حركة تحرر وطني نواجه مشروعاً صهيونياً استعمارياً يستهدف استمرار اغتصاب الأرض الفلسطينية والسيطرة على المنطقة بأسرها، اقتصادياً وأمنياً وسياسياً ،من خلال التطبيع مع دول عربية تابعة أبدت الاستعداد ووقّعت اتفاقيات تحمل عنوان التحالف مع هذا الكيان الغاصب.
من هنا، نقول وبكل وضوح: لن تستقيم الأمور في الساحة الفلسطينية ما لم تُلغى اتفاقات أوسلو ويسحب الاعتراف بالكيان الصهيوني، حتى نضع القضية الفلسطينية على المسار الصحيح. وإن كان أوسلو انتهى كما يُقال، فلنعلن أن الكيان الصهيوني انتهى.
هناك استحالة للوصول إلى حل سياسي مع كيان عنصري إجلائي استيطاني، يقبل بحل واحد يقوم على قاعدة حكم إداري ذاتي محدود تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، بهدف حل مشاكل الكيان الإسرائيلي لأنه  يعيش مشاكل حقيقية.
 إن الحقائق تؤكد بأن الصراع مع الكيان الصهيوني هو صراع وجود بكل معنى الكلمة. ولذلك علينا أن نعيد الاعتبار لمعنى فلسطين (حيفا وعكا والناصرة وكل بقعة على أرض فلسطين). الكيان الإسرائيلي بدأ يتحدث عن الخطر الوجودي الذي يواجهه. كما يتخبّط حالياً في مأزق سياسي، وهو على أبواب إجراء انتخابات برلمانية خامسة.
إن الرهانات على إدارة الرئيس الأميركي بايدن بأنها ستمارس سياسة بعيدة عن سياسة إدارة ترامب وصفقة القرن، هي رهانات بائسة وخاسرة ، لأن سياسة بايدن تختلف من حيث الشكل، ولكن في الجوهر هي تبنّت ما قام به ترامب في القدس وحولها، ورفضت أن تتابع  المحكمة الجنائية الدولية ما قام به العدو من جرائم بحق الفلسطينيين؛ فإذاً هي تؤكد دعمها وحمايتها لهذا الكيان.
تتحدث إدارة بايدن عن حل الدولتين، ولكن ما تعنيه هو حكم إداري ذاتي تحت السيطرة الإسرائيلية، من الممكن أن نطلق عليه اسم الدولة لكنها دولة بلا مضمون.
خامساً، لقد أوضحنا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن المدخل السليم لإنهاء الانقسام في الداخل الفلسطيني ليس بانتخاب المجلس التشريعي. وقد حذّرنا أن هذا المدخل قد تكون نتيجته تفاقم المشكلات. قلنا هذا أكثر من مرة، وقلنا إنه لا يمكن تجاهل العامل الإسرائيلي في موضوع الانتخابات. وها نحن الآن أمام واقع يؤكد أن المدخل السليم لهذا الانقسام البدء بعنوان منظمة التحرير الفلسطينية، كإطار جامع للشعب الفلسطيني داخل الأراضي وخارجها وإعادة بناء مؤسسات ها، ومشاركة كافة القوى والفصائل ضمن إطارها من خلال إنشاء مجلس وطني فلسطيني شامل يرسم ويبلور استراتيجية عمل فلسطينية جديدة، ويقوم على قاعدة الوحدة والمقاومة  بكل أشكالها، وعلى رأسها المقاومة المسلحة، كخيار استراتيجي في مواجهة الاحتلال.
إن جوهر قضيتنا ليس في  الانشغال بانتخابات تشريعية وقوائم انتخابية وطعون، وتجاهل تأثير الاحتلال على كل مفاصل حياتنا؛ بل جوهر قضيتنا هو أننا حركة تحرر وطني تواجه احتلال واستيطان لا يمكن رحيله عن أرضنا إلا بالمقاومة؛ وهذا ما يؤكده شعبنا كل يوم، في نابلس وجنين والقدس وأم الفحم وكل بقعة من فلسطين.
إن كل ما نتعرض له  من مخططات ومشاريع يستهدف فكرة المقاومة والمواجهة. ومن هنا فإن كل  الفصائل الفلسطينية  بحاجة إلى نفض الغبار عن ذاتها وتقييم تجربتها للإعداد لمقاومة وانتفاضة شاملة لمواجهة العدو الذي لا يفهم إلا بالقوة؛ وهذا ما أكدته هبّة القدس منذ أيام ،حيث استنفرت قوى إقليمية ودولية لتهدئة الأمور، لأنهم يعرفون ما معنى انتفاضة فلسطينية شاملة في ظل صمود وتنامي محور المقاومة في السنوات الماضية؛ صمود سوريا الكبير والاستراتيجي، صمود المقاومة في لبنان، صمود الشعب اليمني العظيم، صمود الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ هذا الصمود الاستراتيجي لمحور المقاومة، وفي قلبه صمود الشعب الفلسطيني، بدأنا نلمس نتائجه اليوم عبر الكثير من التطورات في المشهد السياسي، إقليمياً ودولياً.
سادساً وأخيراً، إن التطورات السياسية على المستوى الدولي، والانتقال من الحكم ذي القطب الواحد إلى النظام العالمي المتعدد الأقطاب، وبروز وتنامي قوى عالمية صاعدة، وتراجع الدور الأميركي؛ إضافة إلى التطورات على الصعيد العالمي، كلها تؤكد أنها ستكون لصالح قوى التحرر ولصالح القضية الفلسطينية. وبالتالي، فإن الظروف والعوامل الموضوعية يمكن أن تصب في صالحنا، شرط تصليب العامل الذاتي الفلسطيني الذي يعيش أزمة عميقة ومتعددة الأبعاد، لكي يعالج مواضع الخلل العميقة التي تضعف هذا العامل.
أخيراً، بعد عملية حاجز "زعترة" البطولية التي نفذها شاب فلسطيني قبل أيام، نقول: لا يكتسب رصاص المقاومة الذي أصاب رجال الإرهاب والاحتلال قيمته من عدد الذين أصيبوا في العملية، بل ممّا حمله هذا الفعل وعبّر عنه من معالم متعددة تتصل بقناعات شعبنا وبجذور هذا الصراع التاريخي.
الأستاذ أسامة حمدان: مسؤول العلاقات الدولية في حركة حماس
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله. السلام عليكم.
كثيرة هي دلالات يوم القدس الذي أطلقه الإمام الخميني رحمه الله، دلالات سياسية ومعنوية وغير ذلك. لكنني أعتقد أن واحدة من أهم الدلالات هي تكريس طبيعة الصراع مع هذا العدو الصهيوني وربطه بعبادة هي ركن من أركان  الدين عند المسلمين، ما يعطي  الصراع بعداً عقائدياً ودينياً. فالموقف السياسي عند الإمام الخميني لا عمق له ما لم يكن مرتكزاً إلى بيئة فكرية وثقافية واجتماعية تمثّل قاعدة وحماية له من الانحراف والخلل، وتمثّل حماية لموقف القيادة من أن تتراجع تحت وطأة الضغوط؛ وهي مسألة كثيراً ما تحدث في عالم السياسة.
فيوم القدس لا يقتصر على كونه يوماً يؤكد على أن قضية القدس هي قضية لأمّة جامعة، أو يوماً تعزز فيها الأمّة حضورها للدفاع عنها، بل يشكل حماية للموقف السياسي للقدس على الصعيد الفلسطيني وعلى صعيد هذه الأمة، وهو يعزّز الرواية الحقيقية للقدس ولفلسطين.
لذا، فإن رهان العدو على تشويه الرواية وتزوير الحقائق مع تتابع الأجيال، وحرف الأمور عن حقيقتها، لا يستطيع الصمود أمام يوم تعزز فيه رواية حقنا في القدس كشعب وكمسلمين ومسيحيين.
لقد شكّل يوم القدس العالمي تكثيفاً لرمزية القضية الفلسطينية، قضية أرض وشعب وتاريخ، قضية أقصى وقيامة، قضية جهاد وتحرير، قضية وجودية الصراع مع هذا الكيان.
إن ما يجري اليوم من معركة في القدس يهدف لتهويدها، بعد أن ثبّتت إدارة بايدن السلوك الذي اختاره ترامب باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأميركية إليها.
إن مواجهة تهويد القدس، التي يريدها اليهود لا سمة عربية أو إسلامية فيها، تحتاج للتكاتف والجهد. فما يجري اليوم في حي الشيخ جراح ومحاولات الاستيلاء على الأقصى وتعطيل الاحتفال في كنيسة القيامة، كل هذا لا ينفصل عن نقل السفارة الأميركية وعن مسار تهويد القدس الذي يريده الاحتلال. وإن كانت إرادة شعبنا قد انتصرت في باب العامود وقبلها في معركة البوابات، فإنها اليوم ستنتصر في مواجهة 28 رمضان- العاشر من أيار، لا سيما أنها ستأتي معززة بيوم القدس الذي سيأتي فيه أن شعب فلسطين وأن أهل القدس لا يقفون في الميدان وحدهم، وإنما تقف إلى جانبهم أمّة تربو عن المليار، وأن هذه الأمة لا ترى القدس دعماً إنما ترى القدس قضية لها، وهي مستعدة للدفاع والقتال من أجلها والعمل على تحريرها. وإن إصرار العدو على تهويد القدس يعني بأنه يريد أن يذهب بهذا الصراع إلى دفع هذا المليار نحو المشاركة المباشرة فيه.
إن المطلوب اليوم هو توحيد الشعب الفلسطيني وإعادة  العمل بالمؤسسات؛ ويشمل أيضاً إعادة الاعتبار أولاً للمشروع الوطني الفلسطيني كمشروع صمود وعودة، ودعم صمود شعبنا وتواصل المقاومة على أرض فلسطين. وإن عملية "الزعترة" تعبّر عن إرادة المقاومة لدى هذا الشعب رغم كل محاولات النيل من إرادته ومحاولة تطبيعه وجعله يستسلم لهذا الاحتلال.
إن عملبة زعترة ستكون مساراً جديداً للمقاومة التي سيفرض شعبنا من خلاله إرادته على الاحتلال.
إن المقاومة اليوم تسعى لفرض معادلة جديدة تقول إن النيل من القدس يعني عدم استقرار تل أبيب، وإن  صواريخ المقاومة ستطالها بإذن الله. فالمقاومة التي لمست وهن بيت العنكبوت ليست اليوم بوارد التراجع، بل هي بصدد مواجهة الاحتلال.
أخيراً، في واقع أمّتنا اليوم، ونحن نحتفي بيوم القدس الذي ستحييه شعوب كثيرة، هناك ظاهرة شاذة على هذه الأمة، وهي التطبيع؛ وهي ظاهرة تتعلق بفئة محدودة ضلّت الطريق وقرأت الأمور على غير حقيقتها؛ ولو قرأنا الأمور مثلها لضاعت قضية فلسطين. لهؤلاء رسالة واضحة: إن الرهان على هذا العدو رهان في غير موضعه، فهو كيان زائل وستزول معه الرهانات وربما الذين راهنوا عليه.
لذا، نحن نؤكد في يوم القدس العالمي أن مشوارنا متواصل، وأن مقاومتنا بإذن الله متواصلة حتى يتحقق زوال هذه الغدّة السرطانية من الوجود.
الأستاذ أبو نضال الأشقر:الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية
شكراً لمركز باحث وللدكتور يوسف نصر الله على هذا اللقاء في يوم القدس العالمي.
تحيّة لروح من أطلق هذا اليوم في الجمعة الأخيرة من أيام شهر رمضان المبارك، آية الله الإمام الخميني (قدس سرّه). يوم القدس العالمي ليس مناسبة لنحييها فقط؛ إنها مناسبة لنتذكر  فيها واجباتنا اتجاه قضايانا؛ إنه يوم لنصرة المستضعفين ضد المستكبرين ويوم لثورة المظلومين ضد الظالمين. في كل عام، عندما نحتفل في هذا اليوم، نقف أمام المبادرات والانتصارات لمواصلة تحقيقها، ولإزالة كل السلبيات والتحديات التي واجهتنا خلال هذا العام.
واليوم، نحن نحتفل بيوم القدس العالمي في زمن انقلبت فيه المفاهيم، وأصبحت الردة والارتداد عن القضايا المصيرية، مع استبدال الأعداء بأصدقاء فاتحين في العديد من العواصم العربية. وفي هذا المجال نجد أن الشعب العربي الفلسطيني يُعيد الاعتبار لقضيته من جديد، وخاصة أهلنا في القدس، الذين ينتفضون اليوم كي يُعيدوا الاعتبار للقضية الوطنية الفلسطينية ويُعيدوا الاعتبار للأمة جمعاء، التي أراد الحكام بخسها ووضعها تحت أقدام الطغاة الصهاينة.
في هذا السياق، القدس اليوم تختصر قضايا الأمة  بعنوانها الأساسي: القضية الفلسطينية. القدس اليوم، بأحيائها، بأزقّتها، بشوارعها، بمقدساتها الإسلامية والمسيحية، تتكامل لتستجمع كل عناصر القوة لهذه الأمة.
القدس هي عنوان المواجهة وعنوان الصمود والثبات في الأرض. وإن أردنا ان نبحث عن مكامن القوة في هذه الأمة نجد أولاً، الصمود في الأرض. وإذا أردنا أن نبحث عن عوامل النصر لقضيتنا الوطنية الفلسطينية وكيفية استعادة حقوقنا الوطنية والتاريخية الثابتة علينا أن نعزز وحدتنا الوطنية؛ لكن الوحدة الوطنية ليست مجرّد  شعار عاطفي نردّده أينما حللنا، بل هي اتفاق على مشروع وعلى برنامج من أجل استعادة حقوقنا الوطنية والتاريخية الثابتة؛ الوحدة الوطنية هي اتفاقنا على ماهية قضيتنا الوطنية الفلسطينية التي هي قضية تحرر بامتياز؛ وعندما نتحدث عن وحدة وطنية يجب أن نتحدث عن مشروع وطني لحركة تحرر وطنية تضع كل الطاقات وكل الإمكانيات وكل الاتجاهات السياسيات والفكرية والشعبية في مواجهة هذا المشروع الاستيطاني العنصري الذي يحاول بدءً من تهويد القدس، تهويد فلسطين من خلال المشروع الذي وضعه، وهو مشروع القومية الذي يحدد يهودية الدولة وعنصريتها في مواجهة شعبنا الفلسطيني.
وعندما نتحدث عن المقاومة يجب أن تكون المقاومة ضمن إطار المشروع الوطني لحركة التحرر الوطني، من أجل أن نُسقط كل أوهام التسوية أو إمكانية التعايش مع هذا العدو، أو التوصل إلى سلام من خلال المفاوضات أو استعادة الحقوق عبر المفاوضات أو عبر القرارات الدولية. هكذا نستعيد حقوقنا الوطنية.
في يوم القدس لنتكامل جميعاً مع أهلنا المقدسيين، ولنتكامل جميعاً مع شعبنا في فلسطين، في الضفة الغربية، في قطاع غزة، في مناطق 48 ؛ولنكن كلنا مقاومة في وحدة ميدانية، وحدة الأرض ووحدة الشعب ووحدة المصير ووحدة الحقوق الوطنية والتاريخية الثابتة في فلسطين؛ وكل عام وأنتم بخير، وشعبنا وقضيتنا ومقاومتنا وأمّتنا بخير، وشكراً.   
 

 

2021-05-11 15:57:18 | 533 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية