التصنيفات » التقديرات النصف شهرية

30-7-2021
ملخص التقدير الإسرائيلي
30-7-2021
ملخص بحث حول "انهيار نظرية الردع الإسرائيلية "
يُنظر إلى الردع كمركّب من مركّبات العقيدة الأمنية للدول؛ وهو يهدف في حدّه الأدنى إلى المحافظة على ميزان الصراعات القائمة لجهة عدم تحوّلها إلى تفعيل القوة العسكرية، بينما يصل في حدّه الأعلى إلى فرض الإرادة السياسية على الخصم من دون حروب. من هنا يتأتى تفسير مدى تمسك العقيدة الأمنية الإسرائيلية بمبدأ الردع، كمكوّن أساسي لها، لتحقيق أهداف الدولة العبرية أو المحافظة على وجودها ومصالحها، سواء من ناحية دفاعية أو هجومية.
لقد أدركت "إسرائيل" مبكراً أنّ أحد التحديات الوجودية الماثلة أمامها في صراعها مع أعدائها هو محدودية القدرة الكليّة لديها، قياساً بالقدرة الكليّة لأعدائها جدليّة العدد والنوعية). لذلك كان لا بدّ لها من أن تسعى إلى جسْر هذه الهوّة من خلال زعزعة ثقة الأعداء بقدراتهم وفوائد تفعيلها ضدهم؛ إضافة إلى السعي نحو «الحفر» في الوعي العربي مدى تأثير القدرة لديها وعدم جدوى مواجهتها. ونتائج الحرب الأخيرة على لبنان 2006، سواء أقرّ الإسرائيليون بفشلهم أو لا، وغالبيتهم تقر، تدلّ بوضوح على تراجع الردع الإسرائيلي، سواء في الداخل الإسرائيلي نفسه، أو لدى الأعداء؛ إضافة إلى تراجع صورة "إسرائيل" دولياً، ككيان قادر على تحقيق إرادته السياسية بالقوة.
لقد استندت القيادات الإسرائيلية، منذ نشأة الكيان العبري عام 1948، إلى مفهوم الردع كمبدأ عقيدي أمني، يحتل مركزاً متقدماً من بين مركّبات العقيدة الأمنية الإسرائيلية. ويهدف الردع، في الحالة الإسرائيلية، إلى تجريد العدو، والعدو المحتمل، من الدافع الذي يشكّله تواؤم وتوافر كلٍ من «القدرة» و«الحافزية» لديه إذا ما وجِدا معاً، على ضرب "إسرائيل".
خدم مفهوم الردع "إسرائيل" طويلاً، وساعدها في تحقيق النصر في معظم حروبها التي خاضتها مع العرب، سواء بمبادرة منها أم كانت طرفاً فيها. وتُمّيز "إسرائيل" بين أنواع الردع المختلفة، وتحديداً الردع بـ«المنع» والردع بـ«العقاب». ولكلٍ من «الردعين» وظيفة خاصة تتحدد بظروفها الموضوعية وقدرات الخصم..لذك تتحرك "إسرائيل"، وواضعو السياسة الأمنية فيها، في فهم وتقدير سلوك خصومها، من الافتراض القائم على أن السمة الأساسية لتحرّكه ليست إلا عبارة عن استجابة منه للفرص والقيود التي توفّرها البيئة الاستراتيجية المحيطة به وكيفية رؤيته لها، إضافة إلى توفّر عاملي «الحافزية» و«القدرة» لديه. وبالتالي، كردٍ على ذلك، فإن وظيفة السلوك الإسرائيلي الأمني والسياسي، هي في إبقاء القيود قائمة وتعزيزها منعاً لشن حرب أو أعمال هجومية ضدها، إضافة إلى إبعاد الفرص، إذا وجدت أو توافرت، عن متناول أيدي أعدائها. وهذا المطلب يتحقق من خلال قدرة الردع التي تملكها "إسرائيل" وتظهرها لعدوّها وتسقطها على وعيه، ما يظهر للعدو أن لا قدرة لديه على الإضرار بإسرائيل أساساً (الردع بالمنع)، أو أن ما سيقوم به لن يجلب له منفعة وعوائد تزيد على الضرر والخسائر التي ستلحق به، نتيجة للعقاب الذي ستجبيه منه "إسرائيل" (الردع بالعقاب).
من ناحية نظرية ثانية، لا تبعد عن أن تكون عملية أيضاً، يعاني الردع الإسرائيلي، إضافة إلى التآكل المتراكم قبل الحرب والمتعاظم بعدها، أنه قائم على أسس تخدم دولة ما متجذرة في محيطها، لا دولة احتلال تحاول من خلال ردعها منع الإضرار بها أو تهديدها. وبتفصيل أكثر، يتوجه الردع أساساً بين الدول إلى تفعيل عنصر المنع أو العقاب تجاه قدرة خصم ما وحافزيته على ضرب الدولة الرادعة، على أن تكون الحافزية لديه متأتية أساساً من القدرة الموجودة أو المصطنعة لديه؛ أي تدفعه القدرة نحو امتلاك الحافزية ليتحرك نحو التوسع على حساب هذه الدولة أو كي يفرض عليها إرادة سياسية ما. لكن مشكلة "إسرائيل" كدولة احتلال مغروسة في محيطٍ معادٍ لها ويراها غريبة عنه، أنها تريد تفعيل مبدأ الردع تجاه خصوم مشبعين بالحافزية أساساً، سواء كانت لديهم قدرة أم لا؛ أي إنهم لا يحتاجون إلى قدرات خاصة كي توجد لديهم الحافزية، الأمر الذي يزيد العبء على مفهوم الردع في الحالة الإسرائيلية ليتجاوز قدراته، أو أقلّه أن يرهق الردع الإسرائيلي بمطالب هي في الأساس خارجة عن تأسيساته العادية؛ فكيف بالردع إذا تآكل، وسعت "إسرائيل" إلى ترميمه، فعاد وتآكل من جديد، وبمنسوب أعلى من السابق.
لقد هدفت "إسرائيل" خلال عدوان 2006، إلى استعادة قدرة الردع المفقودة تراكمياً منذ عام 2000، تأسيساً على الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، وفي أقل تقدير ترميم الردع المتآكل، كما صرّح بعض المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، وعلى رأسهم رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه إيهود أولمرت. وخرجت "إسرائيل" من الحرب، بحسب التعبيرات الإسرائيلية، بـ«فشل ذريع مُني به الردع الإسرائيلي الذي ازداد تآكلاً» عن تآكله الأساسي.
ولا يستقيم الحديث عن تداعيات الحرب الأخيرة على الردع الإسرائيلي في حصرية علاقته بحزب الله، إذ من الصعب فصل تداعيات الحرب على منظومة الردع الإسرائيلية الكلية، وتأثيراتها على الداخل الإسرائيلي والواقع العربي والإقليمي والدولي. وإذا كان الردع مفهوماً قيمياً يخاطب كلاً من "إسرائيل" بما يشمل جمهورها وجيشها ومتخذي القرارات فيها، إضافة إلى العدو بما يشمل، تحديداً، حزب الله وسوريا وإيران والفلسطينيين، إلا أنه يشمل أيضاً الصورة التي تحتلها "إسرائيل" في الولايات المتحدة، كدولة عظمى راعية لها، باعتبارها (إسرائيل) عنصراً فاعلاً ومفعّلاً للسياسات الأمنية الأميركية التي لا يمكن لواشنطن ان تخوضها مباشرة. والثابت، كما يرى الإسرائيليون أنفسهم، أن «هيبة الجيش الإسرائيلي قد اهتزّت في الداخل والخارج على حدٍ سواء». وأحد التعبيرات الأساسية المُظهِّرة لفقدان الثقة بقدرة الجيش على تحقيق أهدافه، إدراك الإسرائيليين بصورة شبه جامعة، أن عسكر "إسرائيل" لم ينجحوا في تحقيق أهدافهم بوسائلهم العسكرية؛ وجلّ ما جرى هو تحقيق «فرملة» لنتائج الفشل من خلال القدرة السياسية الأميركية التي استطاعت أن تسحب الإسرائيليين من المطبّ الذي زجّوا أنفسهم فيه، وتحديداً في الأيام الأخيرة للحرب، التي جهدوا فيها لتحقيق نصر ما يخدمهم في زعزعة الصورة المتشكلة عنهم لدى الرأي العام الداخلي والخارجي طوال أيام الحرب الأخرى، نتيجة لسلسلة الإخفاقات وللفشل الميداني شبه المتواصل.
في هذا البحث نتناول موضوع انهيار مفهوم الردع الإسرائيلي والتداعيات المعقّدة المنوطة به .

2021-07-30 11:27:01 | 525 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية