التصنيفات » دراسات

فن الأنظمة المهيمنة في إستخدام سلاح البروباغاندا في عالمنا الحالي
فن الأنظمة المهيمنة في إستخدام سلاح البروباغاندا في عالمنا الحالي 
يحيى دايخ
- البروباغاندا، والتّلاعب بالوعي.
- صناعة الرغبة، والديكتاتوريات المستنيرة.
- هندسة الموافـَقة.
- البروباغاندا، وكيف تؤثر فينا؟
- البروباغاندا، وصناعة الفكر المضلَّل.
- البروباغاندا.. خدمة المصالح، أو الإيذاء المدسوس.
- البروباغاندا، وأثرها في بناء الأيديولوجيات، وتكوينها.
- ماذا يعني مصطلح البروباغاندا؟
- الإعلام : بروباغاندا مكلفة، وجودة رديئة.
- أصول المصطلح (البروباغاندا) ... تأريخ الكلمة.
- أنظمة اتخذت البروباغاندا.
- من أساليب (البروباغاندا).
- عوامل فعالية (البروباغاندا).
يقول إدوارد بيرنيز: (لو أنّنا فهمنا آليات العقل الجماعي، ودوافعَه، أليس من الممكن السّيطرة على الجماهير، وإخضاعُهم لنسقٍ موحدٍ بحسب رغبتنا من دون أن يدركوا ذلك)!
و(إدوارد بيرنيز) هو عالِم الدّعاية، والإعلام الأول، وأبو العلاقات العامّة، الذي غيّر وجه التّاريخ؛ بترسيخ قواعد فكرة (البروباغاندا الدعائيّة)، أو (الخداع الإعلامي), فما هي البروباغاندا ؟ ومن هو بيرنيز؟ وما مدى تأثير البروباغاندا في سلوك الجماهير، والرأي العام؟ وما أساليبها ؟ و ما عوامل فعاليتها؟
قيل: إن البروباغاندا، والدعايّة، والتّرويج، والتّبشير؛ كلمات مترادفة لمعنى واحد، وهو نشر المعلومات بطريقة موجّهة أحاديّة المنظور، تتضمن مجموعة مركّزة من الرسائل؛ بهدف التّأثير في أراء أكبر عدد من الأشخاص، وسلوكهم.
ولعل الترجمة الأفضل لكلمة Propaganda هي (البروباغاندا)، لا (الدعاية)، فالكلمة لا توحي بوسائل التعريف، والترويج فحسب، وإنما بتوجيهٍ، ينم عن استعلاء شائعات تستهدف التضليل، وغسل العقل، وتربط في الأذهان بالتلاعب السلطوي بتوجهات الجماهير، والتحفيز الشعبوي، والتجييش اللوجستي.
وهناك من عرّف البروباغاندا بأنها تكتيك مدروس للضغط الاجتماعي؛ الذي يميل إلى خلق جماعات في بناء نفسيّ، أو اجتماعيّ موحّد؛ عبر تجانس في الحالات العقليّة، والعاطفيّة للأفراد موضع الاعتبار.
فالبروباغاندا تستعمل عادة بالمفهوم السلبي، والمقصود بها الخداع، أو الكذب؛ لاعتمادها على ذكر حقائق مجتزئة، أو كاذبة، أو مبالغ فيها، وغالبا ما تشتغل على وتر العاطفة، والمشاعر لدى الجماهير دون العقل. وهي ضد الموضوعيّة، والمصداقيّة، والشفافيّة، وتهدف إلى إحداث تأثيرات في المُتلقين لتأييد مواقف معينة، أو تعديل إتجاهات، وتوجّهات، وسلوكيّات محدّدة، أو تغيير آراء، وقناعات راسخة.
فالبروباغاندا يمكن تعريفها بأنها نوع من الدعاية، ولكنها لا تروج لسلعة، إنما تروج لمعلومات، وأفكار بشكل موجه، ومدروس، وتلك المعلومات التي يتم الترويج لها في حالة Propaganda عادة ما تكون غير كاملة، أو تم تشويهها من أجل إخفاء الحقيقة، والحصول على تعاطف المجتمع، وتشويش أفكاره، مثال أن يتم عرض مقطع مصور لواقعة معينة، ويتم تقطيع الفيديو بصورة تظهر المجني عليه، كأنه الجاني، أو العكس، وسوف ينخدع الكثيرون بذلك المقطع بكل سهولة.
فالبروباغاندا هي توجيه مجموعة مركزة من الرسائل؛ بهدف التأثير في أراء، أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص؛ من خلال إعطاء معلومات ناقصة؛ وبذلك يتم تقديم معلومات كاذبة، وتعمل البروباغاندا على التأثير العاطفي في الأشخاص بدلا من الرد بمنطق، وموضوعية؛ محاولة منها لتغيير السرد المعرفي للأشخاص لمصلحة أجندات سياسية.
وبكلمات بسيطة تعني البروباغاندا التحكم في مشاعرنا، وأفكارنا؛ من خلال أهم القنوات لدى الإنسان، وهي: السمع، والبصر.
 البروباغاندا هي محاولة إقناع رضيع بأن الخبز سيكسر أسنانه؛ لذا من الأفضل أن يعيش من دونها  على الرغم من أن المُحَرِّض، كلُّ أسنانه أنياب، و في الأخير يلعب الزمن لعبته، و ينمو سِنُّه مع مصعد سِنِّه من دون إذنه، و يَثبُت له نقيض ما قيل له، و لكنه، و يا للأسف، في تلك المرحلة كان يصدق، و يستسلم لآلهته الإعلامية؛ لأنه لم تكن لديه آليات التأكد، وكان يحتاج إلى من يدير فكره عوضا عنه.
فالبروباغاندا هي الدعاية الموجهة الأحادية المنظور لتوجيه مجموعة مركزة من الرسائل؛ بهدف التأثير في آراء أكبر عدد من الأشخاص، أو سلوكهم؛ والهدف منها تغيير السرد المعرفي للأشخاص المستهدفين لأجندات سياسية، فهي سياسيا تعني الترويج، واقتصاديا تعني الدعاية، ودينيا تعني التبشير. وهناك من وصفها بأنها الخداع المُتعمّد الذي يهدف إلى التّسفيه، والتّلاعب بالوعي، وبرمجة العقول، والجمهور، وهي مضادة للموضوعية في تقديم المعلومات.
فهي: وسيلةُ تواصلٍ، هدفُها توجيهُ الشعب نحو قضية، أو موقف معيّن؛ من خلال ترويج معلومات خاطئة، أو حقائق ناقصة؛ خدمة لأي توجه فكري، ومن خلال فهم الأحداث من منطلق عاطفي عوضا عن الفهم المنطقي. وهذا التعريف يلخّص باختصار ما يحدث في إعلامنا ـ في الأعم الأغلب ـ المرئي، والمسموع، والمكتوب، والبروباغاندا يمكننا تلخيصها في كلمتين (تلاعب إعلامي).
والبروباغدا هي عكس الموضوعية في تقديم المعلومات؛ فالموضوعية بمعناها البسيط تعني تقديم المعلومات؛ إستنادًا إلى أساس ترتكز عليه، وهي تكون عقلانية نوعًا ما، لدرجة أن العقل يكون مهيأ لقبولها بمجرد طرحها، أما البروباغاندا، فتستند أساسًا إلى تقديم معلومات ناقصة؛ لخدمة غرض معين، ولكن من دون الرغبة في تقديم معلومات مكتملة؛ ابتعادًا عن العقلانية، واعتمادًا على العاطفة فقط في توجيه الناس، فعندما يغيب التفكير العقلاني؛ تكون الأشياء قابلة للتصديق بسهولة حتى من دون التحقق من مصداقيتها، وعندما تطغى طريقة التفكير العاطفي على الإنسان؛ فإنه يتناسى، أو يتجاهل كثيرًا من الحقائق في سبيل التصديق اللا إرادي.
فالبروباغاندا باتت تُعبّر عن عمليّة خداع المتلقّي من قبل أفراد، أو جماعات؛ بهدف التأثير في رأيه، وتوجيهه، واستمالته؛ بما يخدم مصالحهم، وتكوين رأي عام يخدم أهداف محدّدة مسبقًا؛ باستخدام أساليب عديدة، مثل تقديم معلومات مشوّهة تفتقر إلى الدّقّة، والمصداقيّة، أو بالتأثير العاطفي في المتلقّي باستغلال الدّين، أو العادات، أو المعتقدات بطرائق مدروسة، وممنهجة، وبعيدة عن الموضوعيّة، أو حتّى من خلال عمليّة التعليم، والكتب الدراسيّة.
ولم تعد البروباغاندا تعمل بالآلية نفسها، التي كانت تعمل فيها في السابق؛ إذ ارتبطت سابقا بالأكاذيب، وتوظيف الاستمالة العاطفيّة، والابتعاد عن الدلائل العقليّة، والمنطقيّة. وأكثر ما ساعدها على النّفاذ إلى عقلية المتلقي وقتها؛ بساطتُها، وبساطةُ المجتمعات؛ المُهيّئة لزيادة التعقيد، والتشابك، وتبدل المفاهيم، وزيادة الوعي  سواء الفردي، أو الجماعي بتقادم الوقت.
ومع تنامي وسائل الاتصال، وظهور عصر ما يسمى بتفجّر المعلومات؛ وجدت البروباغاندا نفسها مأزومة في بيئة، تتميز بوفرة المعلومات، والمصادر، وتنوعها كما، ونوعا، فخلقت لنفسها محورا جديدا، استطاعت من خلاله إعادة تموضع ذاتها بما يتناسب والمعطيات المُستجَدّة؛ حفاظاً على سيرورة عملها، وتماسكها أمام التّحدّيات الكثيرة. إذ اعتمدت البروباغاندا في السابق اعتمادا كليا على شخصيّة رجل الدعايّة الذاتيّة، وتطلعاته الفرديّة، ومهاراته الشخصيّة. أما اليوم، فهي تعتمد بالأساس على تحليلات، ودراسات علميّة دقيقة، ومعادلات، واستدلالات عقلية، ومنطقية.
ويعتقد (بيرنيز) أنّ إعادة صياغة الجمهور أسهل، وأقل تكلفة من تحسين جودة المُنتج، أو الأفكار، وتغييرها؛ ومن ثم فإعادة تشكيل الوعي، والتلاعب بالعقول  يعد  ذكاء، وفنا، ومهارةً، لا يتقنها إلا القلّة من الناس، وتدريجيا انتشرت أفكار (بيرنيز) في الغرب، والشرق بشكل كبير؛ لفاعليتها على الرغم من ابتعادها عن بنية القيم، والأخلاق!
وأول من استحدث مصطلح (البروباغاندا) هو اليهودي الأمريكي (إدوارد بيرنيز)، الذي ينحدر من أصول نمساوية، فحمل نظريات خاله عالم النفس (سيغموند فرويد)، وتأثر به تأثرا شديدا في مجال برمجة الجمهور، وإعادة صياغته عن طريق غرائزه، ودوافعه اللاعقلانية، بما يتفق مع مصالح النخب الأكثر حكمة، وتعقلا! ويقول الكاتب أحمد فهمي في كتابه (هندسة الجمهور): تحول (بيرنيز) إلى ظاهرة، وتكالبت عليه كبرى الشركات الأمريكية؛ طلبا لمشورته، وأفكاره، كما أصبحت الحكومة الأمريكية من زبائنه. وصنّفته بعض المحافل الغربية في ضمن (الشخصيات الألف) الأكثر تأثيرا في تأريخ الإنسانية.
أصول المصطلح (البروباغاندا) ... تأريخ الكلمة.
يمكن عد الحيل المستخدمة في الخطابات، واللّغة الرنّانة، والإطراء، التي كان يستخدمها المحامون، وهيئة المحلّفين، والفلاسفة في أثينا منذ عام ٥٠٠ قبل الميلاد انعكاسًا لمفهوم البروباغندا، كما اقترح ميكافيللي في كتابه الأمير عام ١٥١٣م، استخدام الحرب النفسيّة ضد العدو، وهي نوع من أنواع البروباغاندا، وكذلك أشار المؤلّف الصيني (صن زو) في كتابه (فن الحرب) إلى مفهوم البروباغندا، حيث قال: إنّ كلّ الحروب تقوم على الخداع.
وأصل الكلمة (البروباغاندا) أتى من اللاتينية (كونغريقاتيو دي بروباجاندا فيدي)، التي تعني (مجمع نشر الإيمان)، وهو مجمع قام بتأسيسه (البابا غريغوري الخامس عشر) في عام 1622، ويقوم هذا المجمع على نشر الكاثوليكية في الأقاليم. وتعني (بروباغاندا) باللاتينية نشر المعلومات من دون أن يحمل المعنى الأصلي أي دلالات مُضلّلة، فكلمة (البروباغندا) تعني الدّعاية، وهي مشتقّة من اسم منظّمة من الكرادلة الرومان الكاثوليك، تأسّست في عام ١٦٢٢م، تُدعى Congregatio de Propaganda Fide - جماعة الدّعاية لحسن النيّة- تهدف إلى مواصلة العمل التبشيري، فهي كلمة من النّاحية التبشيريّة والدّينيّة بشكل عام، وتبدو لها دلالة هادفة ومحط تقدير.
والمعنى الحالي للكلمة نشأ في الحرب العالمية الأولى عندما أصبحت المصطلح مُرتبطًا بالسياسة.
وفي العصر الحديث، استعملت كلمة (البروباغاندا) في خلال حرب الثلاثين عامًا، التي شهدتها أوروبا ما بين الأعوام 1618 – 1648؛ فخوفًا من انتشار أفكار (مارتن لوثر) تشكلت لجنة كنسية للدعاية، وعندما قامت الثورة الفرنسية امتلكت الصحافة سلطة جبارة في التأثير في الجماهير؛ ما دفع السياسيين إلى استخدامها وسيلةً أساسية في الصراع السياسي.
وفي الحرب العالمية الأولى، أسس الرئيس الاميركي (ويلسون) لجنة دعائية، ساهم في عضويتها كبار المفكرين، والمنظرين الاكاديميين، أمثال: جون ديوي، وفالتر لبمان، وأدورد بيرنايس، كما تأسست في بريطانيا وزارة للدعاية، التي أخذت على عاتقها مهمة تحريض الشعب الأميركي ضد الألمان.
وفي خضم الحرب العالمية الثانية تم استخدام (البروباغاندا) في صياغة الأفكار، وتوجيهها؛ لخدمة أهداف أحد الأطراف، وقد تجلى ذلك واضحًا في الستراتيجية، التي اتبعتها وزارة الدعاية النازية بقيادة مهندسها (جوبلز)، الذي برع في توجيه الشعب الألماني، وبناء أيديولوجية تعتمد على الولاء للحزب النازي، والإيمان بأفكاره، وأهدافه، ومنها ضرورة تفوق الجنس الآري المكون للمجتمع الألماني؛ كونه جنسًا ساميًا، يجب أن تخضع له كل الأجناس الأخرى.
أما الشيوعية، فلم تفرق بين البروباغاندا، والتحريض، وأصبحت تعني وسيلة لتهديم الأفكار البرجوازية، ونشر الأفكار الاشتراكية. ففي الاتحاد السوفيتي استخدمت البروباغاندا في توجيه الشعوب للإيمان بالفكر الشيوعي؛ فأصبح ‏ولاء الشخص للمبادئ الشيوعية أكثر حتى من الولاء لوطنه؛ إذ عمل المفكرون الشيوعيون ‏الأوائل على رسم خطوط معينة يسير عليها النهج الشيوعي مستقبلا، وقد بدا ذلك واضحًا في ‏مؤلفات الشيوعيين الكبار؛ فـ(كارل ماركس) مثلا في كتابه (رأس المال) قد قام بوضع الأسس التي ‏يجب أن تتبعها المجتمعات الشيوعية، وكيفية التعامل مع الرأسماليين، الذين يتحكمون في العمال ‏الشيوعيين، ومع وجود طبقة كبيرة من العمال غير المتعلمين أضحى من السهل جدًا أن تبث لهم ‏مواد دعائية، تعتمد بالأساس على استثارة العواطف للإيمان بالفكر الشيوعي مع الابتعاد عن الفكر ‏الديني، وبمرور الزمن أدى هذا الأمر إلى بناء أيديولوجية شيوعية على مستوى العالم، ففي الشق ‏الشمالي من شبه الجزيرة الكورية اعتمدت أيديولوجية (جوتشي) أساسًا تُبنى عليه توجهات ‏الشعب الكوري الشمالي، ولا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.‏
أنظمة اتخذت البروباغاندا:
برزت أنظمة، وشخصيّات عديدة على مر التأريخ الحديث أدركت أهمية البروباغندا، ومدى تأثيرها  في الشعوب، مثل النظام النازي، فقد كان (جوزيف جوبلز) وزير الدّعاية السياسيّة في عهد (أدولف هتلر) صانع أسطورة الفوهرر، وكانت له سيطرة كاملة على الحياة الثقافيّة والفن الحديث، ومضمون الصحف، وغيرها من وسائل إعلام ذلك العصر؛ لترسيخ مبادئ هتلر، وإقصاء كلّ من يخالفهم بالفكر والرأي، كما أنّ الحركة الشيوعيّة مارست البروباغندا لنشر أفكارها، وبرز لديهم مصطلح التّحريض الذي استُخدم جنبًا إلى جنب مع البروباغندا؛ للمساعدة في اتخاذ الفكر الماركسي، والاقتصاد السياسي، وتعليمهما، وتُستخدَم البروباغندا في الوقت الحالي في أغلب المجالات السياسيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والدينيّة، وتسيطر العديد من الدول، والأحزاب على شعوبها عن طريقها.
من أساليب (البروباغاندا):
يميل البروباغانديون إلى استعمال كلمات رنانة، لها تفسيرات مختلفة، مثل: الديمقراطية، والحرية، والحق، والانتماء، والإخلاص، وتمكين المرأة، ومساواتها بالرجل، وغيرها من كلمات يستطيع أي شخص، أو أي مجموعة ادعاءها. يتشدق بعضهم عن الديمقراطية مثلا، فنكتشف أنهم يعنون النمط الخاص بهم من الديمقراطية، التي قد تعني أحيانا استعباد الآخرين تحت الشعار نفسه.
يلجأ أهل البروباغاندا إلى من يسمونهم بـ(النجوم) من البشر، فيقنعونهم بأن من الضروري أن يستثمروا (نجوميتهم) قبال المال، فيزجونهم في إعلانات تجارية تبيع كل شيء، وأي شيء، من الصابون إلى العطور، والبيتزا؛ ولأننا  نحب النجوم، فإن (البروباغاندا) تنجح في جّرنا نحو المنتج المراد تسويقُه بصرف النظر عن جودته، أو كفاءته، أو حتى مدى حاجتنا إليه. فما الذي يجعل مغنيا، أو ممثلا مشهورا مصدرا موثوقا للمعلومات عن الصابون؟ وطبعا ينجح أهل البروباغاندا في إثارة عواطف الملايين من الناس إيجابا، أو سلبا مع القضية، التي يتخذها ذلك الممثل البارع محبوبَ الكل.
المتخصصون في هذا الفن البشري/ البروباغاندا يسوقوننا نحو ما يريدون؛ بإثارة عواطفنا من أجل كسب تعاطفنا مع الأفكار التي يتخذونها، والأعمال التي يمارسونها، ويلجأ هؤلاء العباقرة في فنون الدعاية، والإعلام إلى أساليب تستثمر شعورنا بانعدام الأمن، والخوف، وإلى تطويع اللغة، والبلاغة؛ حيث يتفنون باستعمال العبارات اللغوية الرنانة، والغامضة في الأغلب في محاولاتهم الجريئة لكسر عقولنا، والعصف بقلوبنا.
كما يلجأ أخصائيو البروباغاندا إلى التلاعب باللغة، وتزييف المنطق من أجل إيصال معلوماتهم إلى عقلنا الباطن؛ تمهيدا لغسل أفكارنا، وتحويلنا إلى متعاطفين مع أغراضهم.
ومن أساليب البروباغاندا المعروفة تخويف الناس بشكل غير مباشر. فهم يحاولون الإيحاء بأن البشرية في خطر إذا لم يهب الجميع لاعتناق أفكارهم، والانضمام إلى صفوفهم. إنهم يعرفون علم النفس جيدا، ويسخرونه لمصلحتهم، فهم يدركون المخاوف الداخلية المزروعة في كل منا، ففي سبيل التمثيل تلجأ الإعلانات التجارية إلى نشر صور لحوادث مروعة؛ تمهيدا لاقناع الناس بالاشتراك في التأمين، أو في الحصول على سلعة معينة.
ويستعمل هؤلاء الشتائم، ولكن بكلمات مغلفة، يتم اختيارها بعناية. ويستخدمون الرموز السلبية؛ لربطها بشخصية ما مثل الحاج المحتكر ، أو جماعة ما طمعا منهم في إفساد رأي الجمهور حول الموضوع الذي يريدونه مثل إحتكار قرار السلم والحرب . فهم بدلاً من أن يستعرضوا الحقائق، يقومون باللمز من خلال استغلال الرموز السلبية، التي تلطخ سمعة شخص ما، أو مؤسسة ما. إن استخدام ألفاظ نابية ضد شخص معين هي من نوع (البروباغاندا).
ففي البروباغاندا تستخدم كلمة تصفية بدلاً من كلمة قتل إن كان سياسي أو إجتماعي أو إقتصادي وحتى جسدي ، كما تستخدم رموز أخرى، مثل العلم الوطني، والرموز الدينية في محاولة لإثارة مشاعر الناس العاديين البسطاء، ومن ثم توجيههم في سبيل قضية معينة.
وهناك استعمالات لغوية، ترمز إلى أنواع السلوك، التي قد يقوم بها أشخاص، نريد أن نلطخ سمعتهم، فيتم وصفهم بالبخل، أو الطمع، أو الإستأثار ،وغير ذلك. إن إطلاق الكلمات على الناس، أو المؤسسات هكذا، وتصنيف سلوكياتهم، وأفكارهم في قوالب معينة، يراد منه الإساءة، والتزوير، وجذب انتباه العامة إلى غير ما هو حقيقي. إنه الضباب، الذي يتخصص بعضهم بنشره في الأفق؛ من أجل خلط الأوراق، وإنكار الحقيقة لغايات معينة.
إن الشعارات البراقّة سلعة يتاجر بها أهل البروباغاندا. فهم يلجؤون إلى وسائل من شأنها تهدئة الجمهور، وجعلهم يتقبلون الحقيقة المرة؛ بوصفها قدرًا لا بد منه. فهناك يتم تسويق شرور بعينها، مثل: الحرب، والدمار على أنها ضرورة لا يمكن تجنبها، فكل شيء يهون من أجل الشعارات الجميلة، حتى الصواريخ يطلق عليها تسميات لطيفة، لها إيحاءات لدى بعض الفئات من الناس؛ من أجل تسويغ استخدامها في قتل مخلوقات الله من البشر، والحيوانات، والنباتات.
فمنذ صعود الإعلام السمعي / البصري للفضاء، وانتشار الشبكة العنكبوتية، أصبح الصوت الحر كابوس الحكام ، وإخراسه المهمة الأولى لوزراء أعلامهم، ويبدو أن الوسيلة الأفضل لتفتيت الإعلام هي التكاثر الأميبي، وإغراق السوق بمئات الفضائيات؛ ليختلط الحابل بالنابل، وتمسك الحكومات ليس فقط بمحطات إعلامية ضخمة، وإنما بالسلعة الإعلامية، والمادة الإعلامية للطحالب السائدة، ومعارضات ضرورية على مقاسها. فهي تصنع النجوم، وتقزم الخصوم، وتشوه صورة من تشاء، وترفع قدر من تشاء. ولكنها ـ أيضا ـ وفي ضمن صراعاتها السطحية، والسخيفة للسيطرة على سوق المستهلكين، تسخف أساليبها نفسها، وتدخل في دوامة صناعة الكذب، والتكذيب للحفاظ على حد أدنى من المصداقية. ويسعى فيه القائم بالفبركة إلى هندسة الجمهور، والتأثير فيه؛ باستخدام تقنيات معقدة لصناعة أخبار كاذبة، ومحتويات دعائية مختارة بدقة، تتجاوب مع حاجات المستخدم المستهدَف.
البروباغاندا تلعب بأعصابنا كل لحظة، فهي في كل مكان، وتنتشر في كل زمان، تستخدم أساليب ملتوية، تطوي عنق الحقيقة، وتلوي أذن المنطق؛ من أجل دفع الناس إلى شراء بضاعة ما، أو فكرة ما.
إن البروباغانديين على قدر كبير من الدهاء؛ فهم يعرفون من أين تؤكل الكتف. هؤلاء يحشرون أنوفهم في كل زاوية من عالمنا المعاصر. إنهم يستأجرون القاعات، يملؤون المدرجات صخبا برموز، وموسيقى، وألوان، وطقوس؛ من أجل إيصال رسالتهم إلى الكون. يستعملون أنواع الفنون، ويعطوننا انطباعات بأنهم وحدهم على حق، وأن من يعاديهم، أو يشكك بهم هم الشياطين فقط. يريدون أن يتوصلوا إلى عقولنا، وقلوبنا؛ من خلال الإيحاء بأن كل الجماهير معهم، وأنهم حقا يمثلون الجميع، فلا مجال إذن إلا للانضمام إلى جوقتهم.
فالبروباغانديون يستعملون الخدعة، وبأساليب متعددة. وللأسف يقع الكثيرون في حبائل البرباغانديين؛ وذلك لعدم وجود الحصانة الكافية ضد تأثيرهم. إن من حق الناس أن يفكروا لأنفسهم، وأن يقرروا ما يفعلونه بأنفسهم من دون تأثير من أحد، لكن البروباغانديين لا يتركون أحدا في حاله، فلا ينامون، ولا يتركوننا ننام؛ يدسون أنوفهم في حياة كل منا من دون أن ندري، من خلال سمومهم، التي ينفثونها مع كل نشرة أخبار، أو دعاية إعلانية.
إن البروباغاندا المعاصرة تستغل التقنيات الحديثة للتأثير في الرأي العام، وتوجيه أفكار وقرارات الناس السياسية، الإقتصادية ، والاجتماعية، وحتى الدينية؛ وذلك باستخدام تقنيات، وأساليب سيكولوجية عديدة، من أهمها:
أ. القولبة، والتنميط.
ب.تسمية الأشياء بغير مسمياتها.
ت .إطلاق الشعارات.
ث. التكرار. تكرار الكذبة!
ج. الاعتماد على الأرقام، والإحصائيات، ونتائج الاستفتاء.
ح. الاستفادة من الشخصيات اللامعة.
خ. عدم التعرض للأفكار السائدة.
د. التظاهر بمنح فرص الحوار، والتعبير عن الرأي لجميع الاتجاهات.
ذ. التأكيد بدلاً من المناقشة، والبرهنة.
ر. إثارة الغرائز، وادعاء إشباعها.
ز. (ادعاء) الموضوعية.
إن تقديم معلومات مشوّهة تفتقر إلى الدّقّة، والمصداقيّة، أو بالتأثير العاطفي في المتلقّي باستغلال الدّين، أو العادات، أو المعتقدات بطرائق مدروسة، وممنهجة، وبعيدة عن الموضوعيّة، أو حتّى من خلال عمليّة التعليم، والكتب الدراسيّة.
فهي مثلا تقوم على اختيار أحد الخصوم السياسيّين كـ (كبش فداء)، وتسليط الضوء على أفعاله السيئة، وإعمامها على جميع الخصوم الآخرين.
كما تقوم مثلا بتسليط الإعلام على قضايا تافهة لإشغال العامة بها، وإيهامهم بأنهم صنّاع قرار، ويستطيعون التغيير؛ حتى يتسنى للاعبين الكبار العمل من دون ضجة كما يحلو لهم.
- حجب الحقائق والمعلومات الصحيحة .
- توهين أي رأي مخالف، وإلصاق تبعيته لمشروع غير وطني .
- الترويج لأكاذيب وتكرارها بإستمرار .
- استخدام مختلف أساليب التّلاعب، والتضليل، والتشويه، ونشر الأخبار الزائفة مع ما رافقها من تعبئة شاملة في المنظومات التواصلية؛ لتوجيه الرأي العام، وتجاوز سقف ما تقتضيه أخلاقيات المهنة من ضوابط صارمة في التّعامل مع الأخبار.
- التّوجيه، والتّكرار، والاعتماد على الاتصال الشخصيّ أكثر من الاتصال الجمعيّ، والجماهيريّ؛ لقوة تأثيره المباشر، وزيادة فعاليّته على المُتعرّض.
- تضليل منظم عبرَ منصات ومواقع التواصل الاجتماعي، وبمسميات مختلفة، أو عن طريق إعلاميين معروفين ( صار الوقت وشهود الزور ) ، أو أشخاص يظهرون بأسماء مزيفة،  ليس لتضليل فكر الجمهور فحسب؛ بل لمحاربة الرأي الحر لقنوات فضائية، أو محللين سياسيين، أو أشخاص تستضيفهم تلك القنوات، ووصلَ الأمر إلى التهديد بالتصفية الجسدية لكل من يعارض سياستهم.
عوامل فعالية (البروباغاندا)
هناك عوامل عدة تتيح للدعائي تحقيق فاعلية أكبر لـ (البروباغاندا)، ومنها:
.1 احتكار وسائل الإعلام: كلما كانت وسائل الإعلام محتكرة، أو مسيطر عليها بشكل كبير في الوسط المستهدف؛ فإن هذا يوافر البروباغاندا فرصة تأثير، وفاعلية كبيرة.
.2 التوجيه في مسار محدد: تكون (البروباغاندا) ذات فاعلية أكبر باستغلالها للمعتقدات السائدة، والاتجاهات الإعتقادية الراسخة : دينية ،طائفية ، علمانية،تحررية ،سيادية ... وأنماط السلوك الموجودة مسبقا؛ وذلك بتوجيهها فيما يخدم هدف رسائل البروباغاندا.
.3 التعزيز: وهو زيادة فعالية البروباغاندا من خلال الاتصال الشخصي؛ إذ يقوم ذلك بتعزيز دور وسائل الإعلام لتحقيق أهدافها الدعائية.
.4 المحاصرة: وتعني أن الدعائي يحاصر جمهوره في رسائله الدعائية باستخدام أكثر من وسيلة، وبتنويع أساليب مخاطبة الجمهور.

2021-08-30 10:47:16 | 2729 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية