التصنيفات » التقديرات النصف شهرية

30-4-2024

ملخّص التقدير الإسرائيلي

30-4-2024

ملخّص بحث حول عملية "الوعد الصادق" الإيرانية ضدّ كيان الاحتلال

في ظلّ حالة اليأس والعجز التي تَتَخبّط فيها الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو، عن تحقيق أي  نصر عسكري واضح على حركة حماس وبقيّة فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، بعد نحو سبعة أشهر من حرب الإبادة الإسرائيلية الإجرامية، وبرغم الدعم الأمريكي المُتهوّر لإدارة الرئيس جو بايدن، لجأت "إسرائيل" إلى خطوة تصعيدية غير مسبوقة تهدف إلى استدراج الولايات المتحدة ودفعها للانخراط في حرب إقليمية واسعة مع إيران، وذلك بقصفها للقنصلية الإيرانية في دمشق، والذي أسْفر عن استشهاد قائد كبير في الحرس الثوري الإيراني والعديد من المسؤولين الإيرانيين؛ بالإضافة إلى أربعة مواطنين سوريين.

لم يكن العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق مُجرّد خطأ حسابي وسوء تقدير، ولا مُجرّد تعبير استعلائي عن حالة الغطرسة والرغبة في التعويض عن النقص والانتقام فقط؛ بل انه يقع في إطار مغامرة شيطانية محسوبة سعت "إسرائيل" من خلالها إلى توسيع دائرة الحرب وجَرّ الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية للخروج من الوضع المعنوي والميداني المُتردّي الذي باتت تتخبّط فيه، وذلك بعد أن خَسرت سَرْديّة "الضحيّة" وخرافة الدفاع البريء عن النفس، وتكشّفت طبيعتها العنصرية المتوحّشة، وسياستها الاستعمارية الاستيطانية، مع مُلاحقتها بتُهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعيّة في محكمة العدل الدولية.

لقد أفْضَت جرائم "إسرائيل" إلى وضْعها في حالة من العزلة العالمية. ومع مرور الوقت، أخذ الدعم الأميركي التلقائي والمعتاد يتزعزع بشكل أو بآخر، وتنامت الخلافات الشخصية بين بايدن ونتنياهو، وبات من الواضح أن توسيع نطاق الحرب أو الحروب، هو هدف شخصي لنتنياهو، وأمله الوحيد للنجاة من المشكلات السياسية والقانونية والاستراتيجية التي تنتظره. وعندما اتّخذت "إسرائيل" قرار استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، كانت تعلم أنْ لا خيار أمام إيران سوى الرد، حيث قال المُرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، سماحة آية الله السيد علي خامنئي، في 2 نيسان/ أبريل 2024،  إن إسرائيل "يجب أن تُعاقب، وسوف تُعاقب"، فيما توعّد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أيضاً بالانتقام من جرائم "إسرائيل".

لقد خَرَج العدوان  العسكري الإسرائيلي عن سياق حرب الظل التقليدية التي كانت تقوم بها تل أبيب بانتظام، من خلال توجيه ضربات جويّة ضد أهداف إيرانية واغتيالات لأفراد عسكريين ومدنيين في محور المقاومة، في سوريا وغيرها. لكن  الهجوم على القنصلية شَكّل تصعيدًا كبيرًا، ووَضَع القيادة الإيرانية وجْهاً لوجْه إزاء موقف لا يمكن معه التزام الصمت والتمسّك بمبدأ "الصبر الاستراتيجي"، وعدم الرغبة في التسبّب  باندلاع حرب إقليمية شاملة.

منذ اللحظات الأولى للعدوان، نَأَت إدارة بايدن بنفسها عن الغارة الجوية الإسرائيلية، مؤكّدة أنه لم يكن لديها علمٌ مُسبقٌ بالعملية. وقال المُتحدّث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي: "ليس لديّ أي شيء آخر لأقوله عن الضربة في دمشق، باستثناء أننا لم نشارك فيها بأي شكل من الأشكال"؛ وبالتالي ظَهَر أن الولايات المتحدة لا ترغب ابتداءاً بالتورّط في حرب مباشرة مع إيران؛ وبالتالي لا يمكن أن ينجح نتنياهو بجرّ بايدن إلى حرب إقليمية شاملة. فالولايات المتحدة تَعْلم جيّداً الكلفة الهائلة لهذه الحرب؛ وهي في المقابل تسعى فقط إلى احتواء وردع إيران.

لقد أظْهرت عملية "طوفان الأقصى" هشاشة الكيان الاستعماري الإسرائيلي، حيث عجز "الجيش الأقوى" في المنطقة عن تحقيق أي نصر على حركة المقاومة الإسلامية (حماس). كما ولم تفلح سياسة الهروب للأمام بمهاجمة إيران، إذ كشف الردّ الإيراني عن كيان أكثر هشاشة مما يبدو، بحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، التي قالت: للمرّة الثانية خلال ستة أشهر، تحتاج "إسرائيل" إلى دعم أميركا للتعامل مع "تهديد" تَبيّن أنه أكبر من قُدرتها. وتابعت "هآرتس" أن حاجة "إسرائيل" إلى الدعم الأميركي في مواجهة إيران تكشف عن تآكل الردع الإسرائيلي، وأشارت إلى أن جيران "إسرائيل" يُتابعون التطورات السلبية في المجتمع الإسرائيلي، من التهرّب من الخدمة والتآكل التدريجي في صفوف "الجيش"، إلى التصدّع الداخلي الذي بدأ يطفو على السطح بشكل صدامي واضح. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن مُجرّد تهديد إيران بالرد على استهداف قنصليتها في سوريا شلّ "إسرائيل" من شدّة الخوف، رغم أن المُتحدّثة باسم البيت الأبيض، كارين جان- بيار، أكّدت التزام الولايات المتحدة الأميركية المُطلق بأمن "إسرائيل" تجاه ما أسْمته "تهديد إيران ووكلائها"، مُشيرةً في الوقت عينه إلى أن إدارتها نَقَلت لإيران أنه "لا علاقة للولايات المتحدة بهجوم القنصلية في دمشق"، مُشيرة إلى أن الولايات المتحدة لا تريد "للصراع في المنطقة أن يتوسع".  وكان الرئيس الأمريكي الصهيوني جو بايدن قد أعْلَم حلفاءه الإسرائيليين في أكتوبر الماضي أن الأمريكيين يَتفهّمون "صدْمتهم وألَمهم وغضَبهم"؛ ولكن لا ينبغي لإسرائيل أن "تستهلك" في هذا الغضب. وأشار إلى أن الولايات المتحدة "ارتكبت أخطاء أيضًا" وسط غضبها بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول؛ في إشارة غير مباشرة إلى شن حرب هجومية ضد العراق، البلد الذي لم تكن له أي علاقة بهجوم 11 سبتمبر.

لقد عَكَس قرار الهجوم الإسرائيلي في سوريا خطوة مدروسة بعناية على أعلى المستويات في حكومة نتنياهو، باعتباره وسيلة مقصودة للخروج من الطريق المسدود في غزة؛ وهي تتألّف من عنصرين: الأوّل والأساس هو استفزاز إيران للرد، ممّا يُمكّن "إسرائيل" من تقديم نفسها على أنها في حالة دفاع عن النفس، ويَدْفع النقاش بعيداً عن الدمار والإجرام الذي ارتكبته بحقّ غزة وسكّانها. والعنصر الثاني هو زيادة فرصة توريط الولايات المتحدة بشكل مباشر في الصراع مع إيران، ممّا يُغطّي بعض الشيء على عجز نتنياهو وحكومته.

لقد كان نتنياهو يَعْلَم جيّداً أن إيران سوف ترد بدون تردّد، ممّا سيَدْفع إدارة بايدن، المُلتزمة بأمن المستعمرة الصهيونية ورعايتها، إلى توسيع نطاق الحرب. لكن الولايات المتحدة التي تعدّ الكيان الإسرائيلي وكيلها وحليفها الاستراتيجي في المنطقة، تُدرك أيضاً أن الحرب مع إيران ستكون ضارّة للغاية بمَصالحها لأسباب عديدة، بما في ذلك التكاليف البشرية والمادية، وتعطيل النشاط الاقتصادي، والاستياء الخارجي الذي يؤدّي إلى المزيد من الأعمال الانتقامية العنيفة، ونسف الدبلوماسية، في وقتٍ تَستَجْمع فيه أميركا قوّتها لمواجهة خصم استراتيجي ثقيل الوزن في المحيطين الهادي والهندي، وهي على وشك الدخول في حَرْب حتميّة مع الصين، وتوشك على خسارة حرب الوكالة مع روسيا في أوكرانيا؛ فضلاً عن المشاكل الاقتصادية والسياسية الأمريكية الداخلية، وقُرب موعد الانتخابات. وبهذا، خابَت رهانات نتنياهو، وظهرت هشاشة كيانه الاستعماري، بعد تغيير قواعد الاشتباك وانتهاء حروب الظل.

لقراءة التقدير كاملاً انقر هنا

2024-05-01 12:54:22 | 176 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية