التصنيفات » التقديرات النصف شهرية

30-1-2025

ملخّص التقدير الإسرائيلي

30-1-2025

ملخّص بحث حول اتفاق وقف إطلاق النار بين "حماس" و"إسرائيل"

على الرغم من حالة الإجماع الإسرائيلي الكامل، منذ أكثر من عام، حول ضرورة استمرار الحرب على قطاع غزة، إلّا أن هذا الأمر بات في الأشهر الأخيرة موضع شك وتململ بسبب الجدل المحتدم حول جدواها وحول سوء إدارتها، خاصة في ظل الانقسام الحاد القائم في المجتمع والقيادة الإسرائيليين حول مختلف القضايا السياسية والعسكرية، واحتدام الصراع بين المعسكرات المختلفة، الأمر الذي جعل من الصعب للغاية إيجاد حالة إجماع حول القرارات الحسّاسة الضرورية مع مرور الوقت، واستمرار عبثيّة الحرب وارتفاع كلفتها، في الوقت الذي لا تزال الحكومة الإسرائيلية الفاشيّة تصرّ على عدم تقديم أي رؤية سياسية استراتيجية لمرحلة ما بعد الحرب، وتمارس فقط الإبادة والتدمير الشامل بحق الشعب الفلسطيني وبُناه التحتيّة، مُغلّبة الاعتبارات الشخصية والمصالح الحزبية على أي اعتبارات ومصالح أخرى؛ إلى جانب استمرارها في تفضيل الحرب على أي صفقة لتحرير الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، أحياءً كانوا أم أمواتًا. كما أن الكراهية والعداوات الشخصية المتّقدة داخل الكيان باتت تمزّق "الدولة" من الداخل، وتعمّق الخلافات كلّما استمرّت الحرب حول هويّة "الدولة" (العلاقة بين الدين والدولة)، والصراع حول الأفق السياسي للصراع الإقليمي المزمن، ما يعني أن الانقسامات بين الإسرائيليين أصبحت تحتاج  إلى الحسم، لأنه لم يعد بالإمكان التعايش مع هذه الانقسامات، بسبب عدم قدرة "الدولة" على إدارتها.

على هذه الخلفيّة جاء اتفاق وقف إطلاق النار بين "حماس" والعدو الإسرائيلي كاتفاق اضطرار وضرورة، مع مجيء إدارة دونالد ترامب الجديدة في واشنطن، التي تتّجه نحو إدارة الصراعات عموماً بعقليّة جديدة براغماتية، تقوم على حسابات الربح والخسارة. وعلى الرغم من مزاعم الاحتلال بتحقيق نجاحات وإنجازات عسكرية تكتيكية مميّزة، تمثّلت باستعادة قوّته الردعيّة، وتوجيه ضربات قاسية لقوى ودول المقاومة، لكن تبيّن أن التكلفة السياسية والاجتماعية عليه باهظة جداً، من خلال الإضرار بصورته الدولية، وتعميق التصدّع الداخلي فيه، وإهدار فرص التغيير المنهجي في المنطقة لصالحه.

وفي السياق، اعتبر المستشرق الإسرائيلي إيلي فودة، المُحاضِر بقسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية بالجامعة العبرية، أن "حماس حين شنّت هجوم السابع من أكتوبر 2023 لم تكن تعلم أنه سيؤدّي لمثل هذه التغييرات بعيدة المدى في الشرق الأوسط. وبرغم ما مُنيَت به من انتكاسات عسكرية، لكن يتم تقديمها في العالم كجهة نجحت بإعادة القضية الفلسطينية إلى الأجندة العالمية والإقليمية، برغم ما حلّ بالشعب الفلسطيني في غزة والضفة من خسائر ومعاناة. ومع نهاية العام 2024، يمكن الاستنتاج بأن "إسرائيل" حسّنت وضعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط، لكن على حساب زيادة المعاناة والانقسام الداخلي فيها، وتدهور علاقاتها مع دول العالم، مما ألحق ضرراً جسيماً بصورتها الذاتية كـ "ـدولة ديمقراطية وتسعى للسلام". ولا بدّ من ملاحظة تزامن إعلان ترامب عن عزمه على غزو جزيرة غرينلاند للسطو على ثرواتها والتحكم بموقعها الاستراتيجي، والاستيلاء على قناة بنما، مع اقتراح إسرائيلي رسمي، على لسان وزير خارجية العدو جدعون ساعر، لتقسيم سوريا إلى كانتونات وضم الضفة الغربية الفلسطينية؛ والمشاريع والمخطّطات التي كانت تُحاك في الظلام باتت تُعلن بوقاحة على الملأ. وتأتي هذه التطوّرات على خلفيّة استمرار الحكومة الصهيونية في حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني في غزة، وتمضي في استعداداتها لتسريع التطهير العِرقي في القدس والضفة الغربية، بعد عدوانها المدمّر وغير المسبوق على لبنان.

ومن البديهي أنّ تقديراً لميزان القوى الدولي والإقليمي، يستند إلى شعور مرحلي بفائض القوّة لدى القادة الأميركيين والإسرائيليين، هو الذي يُحفّزهم لانتهاز ما يرونه نافذة فرص مُتاحة لمحاولة تعديل الوقائع الجيوسياسية في ساحات محدّدة لمصلحتهم، بالقوّة العارية أو بالتلويح باللجوء إليها. كما أن تضافر مجموعة من المعطيات منذ اندلاع المعركة في غزة، وفي مقدّمتها الدعم الغربي الهائل لإسرائيل الذي يرقى إلى مستوى المشاركة المباشرة في حروبها الإجرامية، والنجاحات التكتيكية التي حقّقها جيش العدو ضدّ المقاومة في قطاع غزة ولبنان، إضافة إلى انهيار النظام في سوريا وانعكاساته على محور المقاومة، هي التي تفسّر تنامي الشعور بفائض القوّة لدى قادة الكيان. غير أن هذا الشعور موقّت، لأن هؤلاء القادة يدركون أن قوى المقاومة في لبنان وفلسطين ليست مهزومة برغم الضربات الكبيرة التي وجّهت إليها، وأن حلفاءها في إيران واليمن والعراق يقفون بثبات إلى جانبها، ما سيُمكّنها من إعادة ترميم أوضاعها. وثمّة عامل آخر يأخذه قادة الكيان في الحسبان، وهو توجّه الراعي الأميركي، خاصة في ظل إدارة ترامب، إلى التركيز على أولويّات أميركا الخارجية والداخلية، وفي مقدّمتها احتواء الصين، وهي مهمّة بالغة المشقّة، ستفرض عليه بالنتيجة، آجلاً أو عاجلاً، التخفيف من «تورّطه» اليومي في إدارة صراعات الشرق الأوسط التي لا تنتهي. وعشيّة حفل تنصيب الرئيس ترامب لولاية ثانية في السلطة في واشنطن، قال إن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس "لا يمكن أن يحدث إلّا نتيجة لانتصارنا التاريخي". في حين قال الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، جو بايدن، إنه "سعيد" لأن فريقه وفريق ترامب تحدّثا "بصوت واحد في الأيام الأخيرة" من رئاسته، للمساعدة في إتمام صفقة التبادل. بَيْد أن القادة الإسرائيليين كانوا مُصرّين على أنهم لن يُنهوا الحرب حتى إحراز النصر الساحق وإتمام تدمير حركة المقاومة الاسلامية "حماس"؛ وهذا ما ظهر جلياً وعملانياً أنه لم يحدث، عندما انتشر مسلّحو "حماس" يوم التبادل في أجزاء من غزة، وبعضهم يلوّح بالبنادق في شاحنات صغيرة، في استعراض للسلطة والسيطرة أمام الفلسطينيين والإسرائيليين والاعلام العالمي على حدٍ سواء. وقد أدّى قرار قبول وقف إطلاق النار الموقّت، بحسب صحيفة نيويورك تايمز، وتبادل الأسرى، إلى إحداث شقوق عميقة داخل الائتلاف الحاكم المليء بالمتشدّدين، إذ استقال وزير الأمن القومي اليميني المتطرّف، إيتمار بن غفير، احتجاجاً على مجلس الوزراء، وسحَب حزبه "القوّة اليهودية" من الائتلاف. كما هدّد حزب الصهيونية الدينية، بقيادة بتسلئيل سموتريتش، بالانسحاب أيضاً، إذا فشل نتنياهو في تجديد القتال بعد انتهاء الهدنة التي تستمر 42 يومًا. وإذا ما انسحب حزب سموتريتش، فإن حكومة نتنياهو سوف تحتفظ بأقل من نصف المقاعد في الكنيست، وهو ما يؤدّي إلى سقوطها وإجبارها على إجراء انتخابات جديدة. وقد أكّد نتنياهو أن وقف إطلاق النار موقّت حتى الآن، وزعم أن إسرائيل تحتفظ بحق العودة إلى الحرب إذا "كانت مفاوضات المرحلة الثانية غير فعّالة"، مُضيفاً أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب سيدعم قراره. وأمام هذه التهديدات، أعلن زعيم المعارضة، رئيس حزب "هناك مستقبل"، يائير لبيد، عن استعداده لتوفير "شبكة أمان" للحكومة حتى الانتهاء من جميع مراحل الصفقة وإعادة جميع المختطفين وجثث القتلى الإسرائيليين من الأسر لدى حركة حماس.

في كلّ الأحوال، كانت نتيجة الحرب حتى الآن انتصاراً لحركة «حماس» والمقاومة الفلسطينية، على رغم التضحيات والآلام والعذابات التي عاشها أهل قطاع غزة خلال 16 شهراً؛ ويكفي أنها استطاعت تثبيت خيار المقاومة باعتباره الخيار الأكثر فائدة بالرغم من كلفته الباهظة، وأعادت قضية فلسطين إلى صدارة الاهتمام العالمي، ورسّختها في ضمائر أجيال شابّة في أنحاء العالم لم تكن تعرف عنها الكثير. وهذا انتصار أيضاً لحلفاء «حماس»، في إيران ولبنان واليمن والعراق، والذين كانوا شركاء فعليين فيه، سواء بالإسناد المباشر، أو بالدعم بالمال والسلاح، واللذين من دونهما لم يكن ممكناً للانتصار أن يتحقّق. والمطلوب اليوم بالنسبة إلى جميع المعنيين بالتصدي للخطر الوجودي الصهيوني، خاصة بعد انتقاله إلى الهجوم بشراكة كاملة مع الولايات المتحدة، وما نجَم عنه من مفاعيل كارثية في الإقليم، هو السعي إلى تمتين وحدة الصف بين قوى المقاومة، وبناء جبهة عريضة مع جميع الأطراف المُقتنعة بضرورة مثل هذا التصدّي. ولا شك أن بركات دماء الشهداء الذين ارتقوا في معركة الدفاع عن غزة وفلسطين والقدس ستسمح بتجاوز كلّ الانقسامات التي عمل الأعداء على إثارتها وتسعيرها، وجمع شمل الأمّة للذود عن حقّها في الاستقلال والنهضة والمستقبل الأفضل.

لقراءة التقدير كاملاً انقر هنا

 

 

2025-02-01 10:44:50 | 68 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية