لمناسبة ذكرى يوم النكبة
ملخّص اللقاء الحواري «فلسطين 1948 – 2025:
أسئلة الهويّة والنكبة.. والنصر»
(15/05/2025)
نَظّم مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية، لمناسبة ذكرى النكبة الفلسطينية، لقاءً حوارياً، بتاريخ 15/05/2025، والذي تحدّث فيه، إلى جانب رئيس المركز، الدكتور يوسف نصرالله، كلٌ من:
- الأستاذ مروان عبد العال، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
- الأستاذ فتحي كليب، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
- الدكتور حمزة البشتاوي، إعلامي فلسطيني.
- الأستاذ أيهم السهلي، مُساعد باحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
وقد حضَر اللقاء عدد من الباحثين:
- د. عبد الملك سكّرية: رئيس الجمعية الوطنية لمقاومة التطبيع في لبنان.
- أ. علي نصّار: كاتب وباحث سياسي.
- أ. سماح مهدي: ناموس المجلس الأعلى في الحزب القومي السوري.
- د. علي حميّة: باحث ومحلّل سياسي.
- د. رياض عيد: محلّل سياسي.
- د. سلام الأعور: ناشط سياسي.
- أ. حسّان عليّان: إعلامي ومحلل سياسي.
- أ. كمال ذبيان: كاتب وإعلامي.
- د. أحلام بيضون: أستاذة جامعية.
- د. لينا بلاغي: أستاذة جامعية وباحثة في الشأن السياسي.
- د. رولا حطيط: باحثة وإعلامية.
- أ. يحيى الدايخ: كاتب وباحث سياسي.
ونخبة من الشخصيات الفكرية والأكاديمية والإعلامية.
استَهلّ اللقاء الدكتور يوسف نصرالله، بالاشارة إلى معركة ان طوفان الأقصى وما أعقَبه من عدوان إسرائيلي واسع، قد فتح الباب- فلسطينياً وإقليمياً ودولياً- على متغيّرات جذرية وبنيوية (وجودية). وبالرغم من أن الحرب لم تنتهِ بعد، ولكن بلا شك هي أفضَت إلى مفاعيل سيتحدّد على ضوئها ليس موازين القوى فقط، وإنما مستقبل القضية الفلسطينية، وكذلك مصير المنطقة وطبيعة المؤثّرين فيها.
وقد أدّت الحرب المستمرّة إلى انتفاء النظرية التي تقول بأن "إسرائيل" هي البيت الآمن لليهود، وكرّست التبعيّة الإسرائيلية للولايات المتحدة، وذلك من أجل حمايتها والحفاظ على أمنها القومي. ومن تداعياتها أيضاً خسارة الغرب الأوروبي معركة الرأي العام نتيجة مشاركته المباشرة في الحرب، والتي كشفت زيف ادّعاءاته وإنسانيّته (حماية المدنيين – احترام القانون الدولي). وبالمقابل، أظهرت الحرب بأن بين الكيان الصهيوني والمجتمع الغربي رابطاً عضوياً. أما عربياً، فقد انكشف مدى الوهن الذي وصل إليه الشارع العربي من حيث نصرة أهل غزة، ومدى عجز وتخاذل النظام العربي الرسمي؛ وأيضاً تواطؤ الحكّام العرب على القضية الفلسطينية وخيارات شعبها، وتعاملهم مع الحدَث الغزّي ليس بوصفه قضية دينية قومية أو إنسانية، وإنما بوصفه "مُتغيّراً" ينطوي على فرص وتهديدات. أما فلسطينياً، فالحرب أعادت تحفيز الأسئلة الوجودية: سؤال الهويّة، سؤال المصير، سؤال النكبة، وسؤال النصر؛ وهي الأسئلة التي سنُحاول من خلال هذا اللقاء الإجابة عنها.
من جانبه، شَدّد الأستاذ مروان عبدالعال على فكرة الوعي التي يجب أن لا تكون مُنعزلة عن الأبعاد الثقافية للصراع. كما قارَن بين من يريد أن يجعل النكبة مجرّد تشريد وذبح، وهي أكبر من ذلك، وبين من يرى النكبة أقدَم من تاريخ 15 أيار 48؛ بل هي استمرار لهذا التاريخ. وقدّم عبد العال شواهد من خلال كتاب لغسّان كنفاني بعنوان «ثورة 36 -39 في فلسطين: خلفيّات وتفاصيل وتحليل»، الذي يقودنا إلى نتيجة بأن فشل هذه الثورة مثّل الخطوة للأولى للنكبة، والتي أدّت إلى انتصار "إسرائيل" في سنة 1948؛ فلو نجحت ثورة 36 لما قامت لإسرائيل قائمة. وهذا يضعنا أمام عدد كبير من الأسئلة التي يمكن طَرحها. وهنا تساءل عبد العال عن سبب استمرار النكبة إلى الآن؛ وأجاب أيضاً من خلال كتاب كنفاني الذي بَيّن فيه بأن هذه الثورة هُزمت لأنها ضُربت في ثلاثة مفاصل رئيسة؛ المفصل الأوّل هو وجود قيادة رجعية منقسمة وإقطاعية؛ والثاني هو قيادة محليّة عربية مُتواطئة مع الاستعمار؛ والمفصل الثالث هو تحالف الصهيونية مع الاستعمار القديم ثم الجديد؛ وكلّها كانت عوامل ضعف بالنسبة للثورة. وهنا نطرح السؤال: لماذا لم تتوقّف الحرب في قطاع غزة وكذلك الإبادة الجماعيّة؟ والجواب أنه لم يكن هناك عامل تدخّل قوي يستطيع إيقافها، بالرغم من أهميّة معركة الإسناد وتدخل اليمن. ولكن هذا لم يكن كافياً؛ والسبب هو أن نفس الحوامل الاجتماعية لجريمة الإبادة ما زالت قائمة. وعلى هذا، فإن النكبة تتجدّد لأنها ما زالت تحمل نفس الحوامل الاجتماعية.
لقد حاول الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر إقامة توازن بين الواقع الفلسطيني والوحدة العربية (1958-1961)؛ وطبعاً تمّ إفشاله، لأنه ممنوع قيام مشروع عربي لتحرير فلسطين (فيما الثورة الإيرانية حمَلت بشائر للفلسطينيين بمشروع تحرير فلسطين الذي يمكن أن تحمله الأمّة). وتطرّق عبد العال إلى المشهد الذي رآه العالم أخيراً (اجتماع الرئيس الأمريكي ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس السوري الجولاني)، والذي يؤكّد أن الذي يجري الآن هو تحرير العرب من فلسطين (التطبيع). أما بالنسبة لدافع الهويّة الفلسطينية، فإن الذي أيقظ التحدّي الفلسطيني إزاء هذه الهويّة هو الإحساس بأن هناك من يريد أن يلغينا؛ فالاستعمار يعمل على تفكيك الهويّات (فرّق تسد) كونه يريد هويّة ثالثة. وهذا ما يُعطي حافزاً للفلسطينيين بأن محاولات إلغاء الهويّة تدفعهم إلى تحدّي الذات (المقاومة والتضحية)، وإعادة إنتاج الهويّة الفلسطينية. وأعرب عبد العال عن اعتقاده أنه لا مستقبل لهذا الكيان الصهيوني إزاء التحدّيات التي يواجهها، وأهمّها تحوّل فلسطين إلى قضية أيديولوجية. أما بالنسبة لسؤال النصر، فإن التاريخ لمن يصنعه. والشعب الفلسطيني الذي يدفع ثمن انهيار الكيان على ثقة بالنصر النهائي عليه، وبأن فلسطين ستعود إلى أهلها.
الأستاذ حمزة البشتاوي طرَح أسئلة الهويّة والمواجهة في سياق الصراع مع الاحتلال، حيث يتم اللجوء إلى العنصر الثقافي، وهو العنصر الأسهل؛ أما الاستناد إلى العامل السياسي، فهو يُغرقنا في تفاصيل قد تؤثّر على فهمنا لمعنى النكبة ومعنى النصر. ففي الساحة الفلسطينية يوجد تعدّد برامج (البرنامج المرحلي – الحد الأدنى – كلّ فلسطين – نصف فلسطين...)؛ وهذا يوصل إلى إشكاليات كبرى في الجانب السياسي. أما بالنسبة لأسئلة الهويّة والمواجهة استناداً إلى العامل الثقافي، فتعني الانتماء إلى فلسطين بمعناها الكلّي (بكلّ مكوّناتها). وبرأيي، فان النكبة لم تبدأ حين أعلن بن غوريون بداية هذا الكيان في 14 أيار، وإنما كانت هناك مقدّمات دولية (وعد بلفور – مؤتمر بازل...)؛ ولكن النكبة الحقيقية تمثّلت في أنظمة عربية كان قادتُها شركاء في النكبة الفلسطينية من خلال تمهيد الأرضيّة (عبر الإعلام والدعاية) لسيطرة العصابات الصهيونية، والتي تحوّلت إلى جيش؛ وبعدها قام الكيان الصهيوني.
وتابع البشتاوي: إن مفهوم النكبة لا يمكن أن نراه إلّا من خلال تهجير الفلسطينيين من أرضهم. أما الفلسطينيون في أراضي 48، والبالغ عددهم 2 مليون ومئتي ألف، فهم يؤكّدون على الهويّة، كما الحال في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة. إن عنوان النكبة مرتبط حكماً بقصية اللاجئين. لذا يعمل كيان الاحتلال، بدعم من صنّاع هذا الكيان، على شطب قضية اللاجئين، بحيث تتحوّل وكالة الأونروا، وبضغط من الولايات المتحدة، من وكالة لإغاثة اللاجئين إلى وكالة لتوطين الفلسطينيين. والمشروع الأساسي للاحتلال هو التهجير(يتلاقى مع ما يقوم به بنيامين نتنياهو بدعمٍ من دونالد ترامب)؛ فنتنياهو يعتبر أنه يُصحّح الخطأ الذي ارتكبه بن غوريون! ومشروع التهجير يقتضي تهجير سكّان قطاع غزة إلى سيناء وسكّان الضفة الغربية إلى الأردن وسكّان الـ48 إلى جنوب لبنان. والفكر الصهيوني يعتبر أن هذه الدول الثلاث (لبنان ومصر والأردن) هي المحطّة الأولى لتهجير الفلسطينيين، لأن الهدف الصهيوني الحقيقي يتمثّل في تهجيرهم إلى المنافي البعيدة.
وأضاف: العرب لم يكونوا يوماً شركاء في أي نصر؛ بل على العكس؛ هم تآمروا على لبنان عندما انتصر(2000)؛ وتآمروا على فلسطين خلال انتفاضة الحجارة (1987) وانتفاضة الأقصى (2000). وبالرغم من كلّ ذلك، تبرز اليوم قضية اللاجئين، حيث لا معنى للقدس وللضفة من دون الفلسطينيين. فإسرائيل تأسّست على مقولة (شعب بلا أرض وأرض بلا شعب). والصهاينة يريدون أرضاً أكثر بسكّان أقل. وفي الجواب عن سؤال: لماذا لم تتوقّف الحرب الإسرائيلية الوحشيّة على غزة حتى الآن، أقول: هناك عدّة إجابات، ولكن الإجابة الأبرز هي أن نتنياهو استطاع أن يُقنع اليمين المتطرّف بأنه يقود حرباً وجودية، بحيث أنه إذا أوقف الحرب فسيحصل اقتتال وانقسام داخل الكيان؛ وبذلك تنتج بدل النصر المُطلق هزيمة مُطلقة.
ومن ثمّ أعاد البشتاوي التأكيد على مسألة الهويّة مُجدّداً. فمع وجود إشكاليّات عديدة في الجانب السياسي، يسهل اللجوء إلى الجانب الثقافي، الذي يؤكّد على وحدة فلسطين وعدم التخلّي عن حق العودة، والذي تؤمن به جميع الفصائل الفلسطينية. أما بالنسبة لسؤال النصر، فالجواب هو (لدى الفلسطينيين)، وإزاء تدمير شبه كلّي للمخيّمات، وبعد كلّ هذه التضحيات، بأن النصر أصبح يقيناً. ففي ظلّ الألم والقتل والجوع، هناك شعور بالأمل والإصرار ويقين بالنصر. والسؤال الأساسي هو: هل ننتقل من أسئلة الهويّة والنكبة والنصر إلى برنامج الحد الأدنى، أو ننتقل إلى حديث الكيان عن حسم الصراع؟! علينا أن نعود إلى جذور الصراع، وأن نتحدّث عن تحرير كلّ فلسطين؛ وهذا الطرح ليس حلماً، وإنما هو يقين، في ضوء ما يُكتب في وسائل الإعلام الصهيوني حول طبيعة وحدود الكيان، بأنه عبارة عن حاملة طائرات أميركية متنقّلة؛ وهذه الحاملة تضرّرت بصاروخ يمني. وهي كلّها عوامل نصر (مع استمرار جبهة اليمن الذي استطاع أن يُغيّر المعادلة).
الأستاذ فتحي كليب، عضو المكتب السياسي في الجبهة الديمقراطية، تكلّم حول عنوانين، أحدهما بديهي، والثاني لمجرّد النكد، حسب تعبيره.
بداية، تحدّث كليب عن معركة طوفان الأقصى وارتباطها بجذر المشروع الصهيوني، حيث يبرز سؤال (البعض يطرحه حرصاً والبعض الآخر يطرحه في معرض الاتهام): هل أضافت معركة طوفان الأقصى إلى المسار النضالي الفلسطيني، وهل كانت "حزيرانيّة" أم "تشرينيّة"؟ (نكسة أم انتصار؟). أما الجواب، فهو أنه إذا كنّا نعتبر أن العصر الحالي بات عصراً أميركياً – إسرائيلياً، فسنصل إلى نتيجة بأن ما حصل كان هزيمة مُدوّية، مع كلّ العناوين في وسائل الإعلام العربية. وإذا كانت الخلفيّة هي الإيمان بقدرات الشعوب (المقاومة)، فستكون الإجابة مختلفة، بأن ما حدَث كان إنجازاً تاريخياً كبيراً. فالنصر لا يُعادَل بمدى التضحيات وحجم الدمار (مثال: الاتحاد السوفياتي – فييتنام – الجزائر). ولكن عندما يتعلق الأمر بفلسطين تنقلب الآية، وتصبح الخسائر الإنسانية هي التي تحكم النتائج. وبرأيي، إن معركة طوفان الأقصى هي امتداد طبيعي لتداعيات النكبة (الاحتلال – التهجير)؛ ومعركة الطوفان تكاد تكون الحرب الوحيدة التي خاضتها غزة لأسباب ليس لها علاقة لها بغزة، بل بالضفة الغربية. فقبل 76 عاماً، وقَفَت غولدا مائير، وهي في ذروة نشوة النصر (انتصار الكيان – بناء الدولة الصهيونية)، وقالت جملتها الشهيرة: الكبار يموتون والصغار ينسون؛ فكانت النتيجة أنه بالرغم من أن الكبار هم من أطلقوا الرصاصة الأولى، لكن جيل ما بعد النكبة هو الذي قدّم التضحيات أكثر من جيل النكبة. ولكن، بالمقابل، علينا أن نعترف بأن "إسرائيل" حقّقت إنجازات (من بناء ال"دولة" وتهجير الشعب الفلسطيني واحتلال قطاع غزة، إلى اتفاقية كامب ديفيد وإخراج مصر من الصراع، واجتياح ثاني عاصمة عربية (بيروت)، إلى انتهاء العمل أو الكفاح الفلسطيني المسلّح).
ولكن بعد انتصار 2006 في لبنان، والحديث الإسرائيلي عن "إخفاقات" في الحرب على المقاومة، وبعد معركة طوفان الأقصى، يبرز السؤال إن كان ما حصل نصراً أو إنجازاً؛ وبرأيي، فإن الإنجاز لا يُقاس بالخسائر وإنّما بالنتائج (على سبيل المثال، وبالرغم من كلّ ما حدَث في لبنان، فإن المستوطنين الصهاينة لم يعودوا إلى مستوطناتهم؛ وهذا إنجاز للمقاومة). وهنا نستنتج بأن الإسرائيلي يعتمد الحرب النفسية بعد الحرب العسكرية. إن مرحلة إزالة الصاروخ تجري الآن، وهي مرحلة أخطر من معركة الصاروخ نفسه.
أضاف كليب: من البديهيّات التي يجدر ذكرها، أنه لا يمكننا التحدّث عن معركة الطوفان دون ذكر نقاط القوّة التي انتزعتها المقاومة من العدو، وأهمّها بأن "إسرائيل" لم تعد "الدولة" الآمنة أو الملاذ الآمن لليهود في العالم؛ كما أن الجيش الإسرائيلي لم يعد الجيش الذي لا يُقهر.
وأكّد كليب بأنه طالما أن العدوان الإسرائيلي قائم فالمقاومة موجودة، على الرغم من الضربات القاسية التي تلقّتها؛ وهي سوف تنهض من جديد؛ والمستقبل هو مستقبل الشعوب الحرّة، خصوصاً إذا كانت هذه الشعوب بمستوى الشعوب التي خاضت معركة طوفان الأقصى ومعركة الإسناد، من لبنان إلى اليمن.
وأخيراً، تحدّث الأستاذ أيهم السهلي، مُستهلًا كلامه بتأكيد بأن الحرب لم تبدأ في غزة بتاريخ 7 أكتوبر 2023، وهي مستمرة حتى الآن، وإنما الصحيح هو أنها بدأت منذ اللحظات الأولى للهجرات الصهيونية إلى فلسطين قبل أكثر من مئة عام، وربما أكثر من ذلك بكثير، أي منذ بداية أوّل تفكير استعماري بشأن هذه المنطقة.
وقدّم السهلي عدّة معطيات، مُستشهداً بكتاب للمؤرّخ قسطنطين زريق (الصادر في آب 1948) حول معنى النكبة، وأنها من أكبر المحن التي ابتُلي بها العرب على امتداد تاريخهم المليء بالمحن والمآسي، وخاصة حين أعلنت الدول العربية الحرب على "إسرائيل"، ولكنها عملياً وقفت عاجزة أمامها.
ورأى السهلي أن النكبة ليست مجازر وأحداث، وإنّما هي مسار طويل من الفعل الغربي الاستعماري في المنطقة (وخاصة في فلسطين)، عبر اتفاقات سايكس بيكو وسان ريمو. كما لم تقتصر النكبة على فلسطين، وما استتبعها من أشكال التدمير وإلغاء الهويّة الوطنية، بل إن النكبة امتدّت إلى بلادنا (العربية خاصة)، والتي أسهمت في خلق أنظمة ديكتاتورية والدفاع عنها، وما نتَج عنها من تذويب المواطنة وهجرة النخب التي فقدت حريّة الفكر والعمل؛ وبذلك أصبحت المواطنة تُقاس بحسب ارتباط الفرد بالحاكم وليس بالوطن. ونتيجتها تمثّلت في غياب التنمية والديمقراطية والحريّات عن منطقتنا. ففي فلسطين، جرى تطهير عرقي؛ أما في بلادنا العربية، فقد جرى تطهير البلاد من أدمغتها ونخبها؛ وبذلك، نحن ندفع حتى الآن ثمن النكبة، وخاصة في فلسطين وفي الدول العربية، نتيجة الاحتلال ومشاريعه التوسعيّة.
وعلى ضوء كلّ ما حدَث، رأى الباحث أنه أصبح من الضروري أن نُصارح شعوبنا العربية بأن مشكلتها ليست فلسطين، وإنّما مشكلتها هي "إسرائيل" (الصهيونية)؛ وللأسف، فقد أصبح هذا الأمر موضع نقاش لدى شرائح كبيرة في المجتمعات العربية، وذلك بتحميل فلسطين والمقاومة مسؤولية ما يحدث في المنطقة منذ السابع من أكتوبر؛ وكأنّه قبل هذا التاريخ كانت الأمور جيّدة. ولفَت السهلي أن ما حدَث في السابع من أكتوبر وضع العالم العربي والإسلامي أمام استحقاق كبير لم يقدر عليه سوى قلّة قليلة فقط، وهي دفعت أثماناً باهظة حتى اليوم (لبنان – اليمن..).
وختاماً، عرض الباحث عدّة نقاط، ومنها التطبيع، الذي لن يتم عبر اتفاقيات مباشرة، وإنما ستكون هناك اتفاقيات تتبيع، بمعنى التبعيّة لأميركا و"إسرائيل". ثانياً، ينبغي التحذير من تقصير وسائل الإعلام المقاوم، والذي لم يخدم المعركة كما يجب. ثالثاً، كان هناك فهم خاطئ لإسرائيل من قِبَل أغلب الباحثين والمُحلّلين، سياسياً وعسكرياً... (مثال حديثهم بأن المعركة لن تطول، وأن الجيش الإسرائيلي لا يُقاتل طويلاً)؛ وقد حدَث عكس ذلك. وهنا أشار الباحث إلى التعويل الكبير على الحراك الداخلي في "إسرائيل". وأخيراً يجب الإشادة بالفعالية أو المنهجيّة الفلسطينية: فحسناً فعلت المقاومة بأنها لم تُعلن نصراً، وإنّما صموداً أسطورياً؛ وما أنجَزَته حتى الآن كبير، سياسياً وعسكرياً.
وأشار السهلي إلى أن ما يحدث حالياً في شمال الضفة هو "غزة بشكل صامت"(إبادة حقيقية). وهناك محاولة من قِبَل الاحتلال لتهجير فلسطينيي 48 من أرضهم، والتي لا توجد في مواجهتها سياسة فاعلة من قِبَل السلطة الفلسطينية.
وأكّد الباحث ختاماً أن المعركة في الداخل الفلسطيني تتمثّل في مواصلة الصراع مع الاحتلال، مع إبقاء الفلسطينيين في أرضهم. وكذلك عرَض الباحث لمشكلة الأونروا وقضية اللاجئين، والذين لا حلّ لقضيتهم العادلة إلّا بالعودة؛ وبذلك تنتهي النكبة الفلسطينية.
2025-05-19 15:34:19 | 305 قراءة