التصنيفات » مقالات سياسية

القمّة العربية في بغداد ... التحدّيات والمآلات

القمّة العربية في بغداد ... التحدّيات والمآلات

يونس عدنان عبد
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة الأنبار
yunis.a.abd@uoanbar.edu.iq


      تلجأ الدول والبلدان عادة إلى عقد القِمم والاجتماعات الدوريّة والطارئة لمُناقشة الأمور والمُستجدّات العالقة ورسم خارطة طريق للخروج بنتائج مُجدية تُفضي إلى حلّ النزاعات والخلافات، وتجاوز المشكلات التي تُعاني منها الدول المُجتمعة؛ وعلى الرغم من نجاح العراق في عقد القمّة العربية الرابعة والثلاثين في بغداد، بتاريخ 17 أيار 2025، والتي حضَرها خمسة زعماء عرب فقط؛ وعدد كبير من الوفود والمُمَثّلين الدبلوماسيين العرب والأجانب، إلّا أن المُخرَجات الحقيقية لهذه القمّة لم تكن استثناءً عن سابقاتها من القمم العربية ذات الطابع البروتوكولي السيادي، الذي يَفتقر إلى مُقَوّمات النجاح السياسي والأمني والاقتصادي على الواقع؛ إذ لم تتمكّن البلدان الحاضِرة بوفودها الرئاسية أو بمُمَثّلين لها، من تجاوز الخلافات السابقة وبناء استراتيجيات عمل مشتركة تضمن الدفاع عن البلدان العربية بشكل حاسم ومشترك. ولعلّ الفشل العربي في اتّخاذ مواقف حقيقية ضدّ حرب الإبادة المهولة التي ينفّذها الكيان الصهيوني في غزة؛ والانتهاكات السافرة لهجَمات الاحتلال والقوّات الأمريكية على الأراضي اليمنية والشعب اليمني؛ إلى جانب الابتعاد عن مُناقشة القضايا الحدودية والخلافات العربية-العربية الحقيقية؛ جميعها يُمَثّل دليلًا واضحًا على استمرار الوهَن العربي على الصعيد الدبلوماسي والعسكري، في الوقت الذي تبرز فيه مواقف بعض الدول الداعمة بشكل علني وصريح للولايات المتحدة الأمريكية، بدَلًا من استغلال نفوذها الاقتصادي بغية الوصول إلى حلّ سلمي بشأن القضية الفلسطينية؛ إلى جانب استمرار الصراع الدموي في السودان، والذي يمثّل امتدادًا لاختلاف الرأي وتشقّق الصف العربي المُوَحّد؛ والعجز عن حلّ الخلافات الداخلية دون اللجوء للوساطة الخارجية؛ فضلًا عن تزايد النفوذ التركي في المنطقة على حساب الدور المصري والعراقي؛ وفي ظلّ انشغال الإدارة السعودية الحالية بتطوير البنى التحتية والترفيهية في المملكة؛ إلى جانب نجاح تركيا في تحقيق مكاسب الحليف الدولي الأقوى المُتمثّل بالولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
     وفي خضم كلّ هذه التحدّيات الجيوسياسية الخطيرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط؛ وانفراد السياسة الأمريكية في التكشير عن أنيابها وإظهار نواياها القائمة على كسر "الأذرع الإيرانية" المُعادية للكيان الصهيوني؛ تشهد المنطقة حالة من غياب الفواعل الدولية وتراجع الدور الصيني-الروسي؛ ويمكن تحليل أبرز غاياته بالسعي إلى تقاسم النفوذ الدولي؛ إذ تهدف روسيا إلى إنهاء حربها القائمة في أوكرانيا، بالسيطرة على الأقاليم الأوكرانية الأربعة (لوهانسك، دونيتسك، زابوريزهيا، وخيرسون)؛ بعد أكثر من عامين على بداية الغزو الروسي لأوكرانيا؛ للحفاظ على الهيبة الروسية وتفادي حرب استنزاف طويلة الأمَد؛ كما تخشى الصين من حدوث حالة من الصدام مع الأجندات الأمريكية-الإسرائيلية في المنطقة للحفاظ على نمطها التقدّمي القائم عل الصعود السلمي وتبادل المصالح.
     ويتساءل الدكتور أكرم عطا الله، في مقالات له، بعنوان "أمّة الكلام" و"في حضرة الدم لا قيمة للكلام"، عن الدور العربي المعدوم، وجدوى النداءات والمُناشدات العربية والعالمية في إيقاف مأساة الإبادة الإنسانية، وإيقاف آلة الحرب التي تفتك بالفلسطينيين، مقابل حجم الضعف الإنساني الذي لم يشهد له التاريخ مثيلاً على المستوى العربي والإسلامي.
     لذا، فالحديث عن أيّة إجراءات بروتوكولية وتصريحات أُمَميّة لا ترتبط بتحرّك عسكري واقتصادي على الأرض، لم تجلب للعرب أدنى مستوى من التقدّم في القضايا التي تمس الأمن القومي العربي؛ ووضع حد لآفة التطبيع العربي-الصهيوني، الذي بات ينهش بالوحدة العربية ويُشَتّت صفوفها.
     وعليه، فإن الحديث عن دور عربي فاعل على المستوى الإقليمي والدولي يجب أن يقترن بإرادة سياسية مُوَحّدة وصارمة، تَتخطّى جميع أشكال التبعيّة السياسية والاقتصادية الحالية، وتتجاوز الخلافات البَيْنيّة، وتعمل على اتخاذ مواقف أكثر جديّة، خصوصًا في ظلّ هذه الأوضاع المُضطربة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، والتي تمثّل فرصة لبلورة المساعي الحقيقية لبعض الدول العربية لإبراز مكانتها في المنطقة.

2025-05-31 12:01:54 | 72 قراءة

مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية