التصنيفات » ندوات

مرحلة ما بعد اغتيال الشهيد عماد مغنية (خلاصة حلقة نقاش)




 

عقِدت في مركز باحث للدراسات بتاريخ 28/2/2008، حلقة نقاش حول مرحلة ما بعد اغتيال جهاز الموساد الإسرائيلي للشهيد القائد عماد مغنية في دمشق، وتداعيات هذه الجريمة على المستويين اللبناني والإقليمي.
وقد شارك في حلقة النقاش التي أدارها المدير العام لمركز باحث، الأستاذ وليد محمد علي، كلٌ من:
- الدكتور عصام نعمان (وزير سابق)
- العميد المتقاعد أمين حطيط (خبير استراتيجي)
- العميد المتقاعد وليد سكّرية  (خبير استراتيجي)
- الدكتور مصطفى الحاج علي (حزب الله)
- الدكتور عبد الحليم فضل الله (حزب الله)
- الدكتور محسن صالح (مدير مركز الزيتونة للدراسات)
- الأستاذ مروان عبد العال (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)
- الأستاذ أبو عماد الرفاعي  حركة الجهاد الإسلامي)
- الأستاذ علي نصّار (باحث لبناني)
بداية، تحدث أ. وليد عن تمكن المقاومة في فلسطين ولبنان من تحقيق إنجازات مهمة على طريق إفشال المشروع الأمريكي-الصهيوني المرسوم للمنطقة (الهيمنة-التفتيت...)، حتى بات الكيان المعادي يعيش في ظل أزمة وجودية حقيقية، كشفت عن ملامح منها لجنة "فينوغراد" للتحقيق حول "إخفاقات" العدو في "حرب لبنان الثانية"!
هذه المسيرة التراجعية للكيان بدأت في الواقع من خلال تداعيات الاجتياح الصهيوني للبنان في العام 1982، حين ظهرت الشروخ والانشقاقات داخل القيادتين السياسية والعسكرية، برغم تمكّن العدو من إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وتدمير البنى التحتية في هذا البلد، وقتل الآلاف من المدنيين. لقد أحدثت استراتيجية المقاومة خللاً جوهرياً في ركيزتين:
1- الدور الوظيفي للكيان (الشرطي)
2- الموقع الأيديولوجي (البيت اليهودي)!
ونحن اليوم، بعد اغتيال الشهيد عماد مغنية، أمام تساؤلات مرحلة نوعية جديدة بدأها العدو: هل هي تمهيد لحرب جديدة ضد المقاومة وضد سورية، أم مجرّد استكمال لنهج عدواني أمني معروف؟ ما هي الردود المتوقعة من حزب الله، وتداعيات تلك الردود المفترضة على الواقع السياسي والأمني، وعلى كيان العدو والقضية الفلسطينية بالتحديد؟
العميد المتقاعد أمين حطيط
أنا أضع للمواجهة القائمة بيننا وبين الحلف الأمريكي-الإسرائيلي العناوين التالية:
1- المأزق الأمريكي السياسي
2- المأزق الأمريكي العسكري
3- المأزق الإسرائيلي المركّب
4- المأزق العربي (الرجعي)
وليس سرّاً أن فعل المقاومة هو المتسبّب بكل هذه المآزق للحلف المعادي. فالاستراتيجية الأمريكية التي تنفّذ في المنطقة منذ عدّة سنوات على أساس هيمنة القطب الأوحد (أمريكا) بعد انكفاء الاتحاد السوفياتي، قد وصلت مؤخراً إلى مأزق تاريخي تكشفه المواجهة الميدانية المستمرة من دون أن تستطيع الولايات المتحدة حسمها (في العراق ولبنان وفلسطين ...). كما تؤكد عمق هذا المأزق السلوكيات الجديدة للقوى الدولية الصاعدة (إقتصادياً أو عسكرياً)، كالصين والهند وروسيا الاتحادية.
وما "تفعيل" الأسلوب العسكري الهجومي (في العراق أو كما حصل في حرب تموز 2006) سوى دليل على فشل استراتيجية الإدارة الأمريكية (عدم التدخل المباشر وإيكال الأمور إلى حلفائها المحليين)، حيث لم تحقّق القرارات الدولية التي وقفت إدارة بوش وراءها (مثل القرار 1559) أهدافها في ضرب محور الممانعة والمقاومة، إثر فشل عدوان تموز 2006 على لبنان...
واليوم وبعد تعمّق العجز البنيوي والتنظيمي في المشروع الأمريكي-الإسرائيلي، هناك عجز إسرائيلي عن شنّ حروب جديدة في ظل عدم ضمان انتصار مؤكّد فيها؛ فقرار الحرب يستلزم تحديد تاريخ وكيفية الانتصار فيها؛ وهذه المعادلة غير متوفّرة في المدى المنظور، حيث أتت عملية اغتيال الشهيد عماد مغنية كبديلٍ (مؤقّتٍ ربما) عن القدرة على شنّ حرب ناجحة، من قبل الحلف الأمريكي-الإسرائيلي، ضد قوى الممانعة والمقاومة ... إن استمرار الاغتيالات الإسرائيلية في المستقبل (ضد قادة وكوادر المقاومة) سيرتبط بردود فعل المقاومة وبظروف هذه العمليات السياسية والموضوعية، مع الإشارة هنا إلى دور مؤكّد لوزير حرب العدو، إيهود باراك، في اغتيال الشهيد مغنية، وهو الذي يمتلك "خبرة" إرهابية واسعة (اغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة في فردان في السبعينيات).
إذن، هناك مأزق أمريكي خطير في الساحات الأربع (العراق، فلسطين، لبنان وأفغانستان). وإدارة بوش لا تستطيع المضي قدماً إذا ما خسرت حلفاءها في هذه الساحات، فيما يعيش كيان العدو مأزقاً تاريخياً لا يستطيع الخروج منه، بسبب المقاومة، وهو لم يكن ليستمر لولا وجود قوة خارجية هائلة تمدّه بأسباب البقاء!
وقد حصل تطوّر نوعي جديد لدى قوى الممانعة، منذ العام 2004، برفض القرارات الدولية الجائرة (مثل القرار 1559)، حيث اضطرّت إسرائيل (ومن ورائها أمريكا) لاستعمال القوة الغاشمة (أو الحرب المدمّرة) من أجل تحقيق ما عجزت عنه الأساليب الدبلوماسية، ومن دون جدوى!
لكن ما يثير الاستغراب في إطار هذه الصورة التي رسمناها، هو الاندفاع العربي "المجنون" في تأييد العدوانية الأمريكية –الإسرائيلية المتمادية ضد محور الممانعة، في ظلّ تفاقم الحصار الإجرامي على أهلنا في قطاع غزة، واستمرار الضغوط على سوريا وإيران والمقاومة في لبنان.
أما في التوقعات، فلا أرى أن الحلف المعادي يستطيع شنّ حرب قريبة ضد المقاومة أو ضد سوريا أو إيران، لأنه غارق في أزمات خطيرة تحدثنا عن ملامح منها. وهناك مساعٍ جارية لترحيل هذه القضايا العالقة إلى العام القادم (2009)، أي إلى الإدارة الأمريكية الجديدة، مع توقّع استمرار عمليات الاغتيال الإسرائيلية المقيّدة في المدى المنظور، وتعمّق الصراع في غزة على وجه التحديد.
د. عصام نعمان
أبدأ بالقول إن مشروع بوش الإبن هو نسخة معدّلة عن مشروع أبيه (الشرق الأوسط الكبير أو الجديد=النظام العالمي الجديد) الذي أعلنه في العام 1991.
إن تعرّض هذا المشروع لضربات قوية من قبل قوى الممانعة أدّى إلى المأزق الذي تعيشه إدارة بوش وحكومة أولمرت حالياً... ولا ننكر أن "القاعدة" (رغم رفضنا لاستهدافها المدنيين) هي من القوى التي ساهمت في ضرب المشروع المعادي، أو في تعثر مراحل أساسية فيه (من أفغانستان إلى العراق وغيرها). وهذا التعثّر الذي بدأ بتسريع الهجمة العسكرية على العراق (بعد غزو أفغانستان)، انكشف بالعجز عن ضرب إيران باعتبارها القاعدة الأساسية لقوى الممانعة والتصدي على امتداد المنطقة، بسبب الخسائر الهائلة التي يمكن أن تُمنى بها إدارة بوش لو هاجمت إيران من ناحية، ولوجود ركيزة دينية (إسلامية) للمقاومة وأخرى شعبية عربية لها، من ناحية ثانية، يمكن أن تهدّد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بشكلٍ جدّي وحاسم ربما.
من هنا، برز في أوساط الإدارة الأمريكية اتجاهان للتعامل مع تداعيات المأزق الأمريكي الراهن:
1- بسبب العجز عن توجيه ضربة حاسمة لسوريا أو إيران، يجب التركيز على الخيار الدبلوماسي (الضغوط والعقوبات)، مع المحافظة على "طواقم الحرب" في العراق وأفغانستان وعدم تغييرها. وهذا الاتجاه تمثّله وزيرة الخارجية كونداليزا رايس.
2- والاتجاه الآخر الذي يمثّله نائب الرئيس ديك تشيني يدعو إلى "استثمار" هذه الفرصة التاريخية لضرب إيران والتخلّص من قوى المقاومة، لأن أي إدارة غير الإدارة الحالية (المجنونة) لن تنفّذ هكذا ضربة في المستقبل!
د. حطيط (مداخلة):
سمعنا اليوم بأن بوش أوعز لمعاونيه بتحضير وثائق الملف النووي الإيراني من أجل تسليمه إلى الإدارة المقبلة كي تتكفل بمعالجته!
د. عصام نعمان:
... ويرتكز خيار تشيني على البنود الآتية:
- تشديد العقوبات على إيران (عبر مجلس الأمن).
- فرض حصار بحري وجوّي على إيران لاحقاً.
- إثارة الأقليات العرقية والدينية (خطة سرّية)!
- محاولة إسقاط النظام أو ضرب قوته المركزية من الداخل، أو عبر ضربة عسكرية مباشرة.
لكن إدارة بوش تعرف جيداً قدرات إيران على الردّ والمواجهة (بشكلٍ مباشرٍ على أي عدوان، أو بتهديد الوجود الأمريكي والمصالح الأمريكية في الخليج والعالم)؛ وهي تتمهل أو تتخوّف من تنفيذ أي ضربة عسكرية لإيران (دول الخليج بدورها ترجّت بوش عدم هذه الحرب حرباً مقابل إعطائه مليارات الدولارات كثمنٍ لصفقات أسلحة، خوفاً على استقرارها ومصالحها).
وكذلك الحال بالنسبة لسوريا، التي تمارس إسرائيل سياسة "الترقيد" تجاهها، بعد عدّة محاولات استفزاز (قصف المنشأة السورية/اغتيال مغنية)، لحراجة الوضع الإسرائيلي في غزة بالخصوص، فيما تقف إدارة بوش مرتبكة إزاء الأسلوب الأفضل للتعامل مع السوريين!
فإسرائيل تريد "الانفراد" بغزة، وعدم إثارة حزب الله أو سوريا أثناء تنفيذها العدوان الشامل (المقرّر سلفاً مع الأمريكيين)، بينما "ترابط" إيران على حدودها مباشرة (عبر قوى المقاومة). لكن، في الوقت نفسه، لا يمكن استبعاد استهداف العدو لسوريا إذا ما تطوّرت الأمور في الجنوب اللبناني أو في غزة، على خلفية اغتيال الشهيد عماد مغنية في قلب العاصمة السورية دمشق.
د. حطيط (مداخلة):
تستطيع سوريا إطلاق صواريخ بعيدة المدى (أو متوسطة المدى) على 60 هدف إسرائيلي في وقت واحد (أو في يوم واحد).
الدكتور نعمان:
إن الصواريخ التي بحوزة حزب الله والسوريين (كمّا ونوعاً) صارت بمثابة قدرات نووية مصغّرة، تستطيع كبح جماح العدو (نسبياً)، كما يعبّر الدكتور سليم الحص...
فبعد اغتيال مغنية وتهديد السيد حسن نصرالله بالردّ، تمهل العدو في شنّ عدوانه الواسع على قطاع غزة، للاعتبارات التي ذكرناها، حيث كان من المقرّر اقتحام القطاع وشطره إلى نصفين، كمرحلة أولى!
إن طبيعة ردّ المقاومة الإسلامية على جريمة اغتيال مغنية، سوف تحدّد الردّ الإسرائيلي ومصير الضربة المفترضة لإيران (قوي/متوسط). فـ "إسرائيل" التي تنتظر ردّاً حتمياً من حزب الله قد لا تستطيع التفرّغ لمواجهة إيران، إذا ما استدرِجت إلى ردود قاسية أو إلى حرب مفتوحة ضد حزب الله وضد حماس في المدى المنظور...
د. حطيط (مداخلة):
 بالنسبة للسوريين، ليس وارداً لديهم التنازل أو التراجع عن دعم قوى المقاومة، بسبب الضغوط والتهديدات (القمة العربية ستُعقد بمن حضر). وأشير إلى تحريك السلطة اللبنانية لقضية الإمام موصى الصدر (استدعاء للقذافي من القاضي ميرزا تحدداً)، كمحاولةٍ بائسةٍ من فريق السلطة لإحداث شرخٍ بين سوريا وليبيا قبيل انعقاد القمة العربية في دمشق!
الأستاذ مروان عبد العال:
أوافق الأخوة على أن إسرائيل تعيش في مأزق وجودي خطير، وأن الزمن ليس في مصلحتها. لكن هناك قابلية أيضاً لتجدّد المشروع الصهيوني، إذا ما فشلنا في تعميق مأزق الكيان الراهن؛ أو بالحدّ الأدنى، إحياء مشروع إسرائيل العظمى التي تهيمن على المنطقة بالاقتصاد والتكنولوجيا وليس بالدبابة!
وأهم العقبات في وجه هذا المشروع هي إيران وقوى الممانعة، وبالتحديد القضية الفلسطينية، التي لا تزال حيّة بمختلف أبعادها: اللاجئون-القدس-الاستقلال ومصير فلسطينيي 1948. ويأتي اغتيال الصهاينة لعماد مغنية في سياق العجز عن شنّ حرب تقليدية (بعد هزيمة تموز 2006)، ومن أجل دفع المقاومة لردودٍ غير مدروسة من أجل تشويه صورتها وحرف مسار الصراع، وبهدف ضرب رمزية حزب الله في لبنان وفلسطين والمنطقة.
د. نعمان (مداخلة):
قدّمت دراسة لألبير فرحات في محكمة الضمير الدولية التي عقِدت مؤخراً في بلجيكا لمحاكمة إسرائيل على جرائمها في عدوان 2006، أكد فيها الباحث على حق المقاومة في الردّ على اغتيال الشهيد مغنية، داخل الكيان أو خارجه...
أ. عبد العال:
أؤيّد الردّ في إسرائيل نفسها (نقطة ضعف العدو هي جبهته الداخلية)، مع التأكيد على اختلاف حزب الله عن "القاعدة" في الأفكار والمفاهيم، كما في الأساليب التي يواجه بها الحلف المعادي. وأنا أقول: في مقابل المأزق الإسرائيلي الذي تحدثنا عنه، هناك مأزق فلسطيني (وعربي) أيضاً، تعمّقه الانقسامات السياسية والفئوية، فيما الأفق السياسي مسدود بعد فشل مسار أوسلو وملحقاته؛ والمقاومة (التي يؤمن بها شعبنا كخيار ثابت) لا تستطيع تحقيق نصرٍ حاسمٍ على العدو، في غياب حاضنة عربية وإسلامية فاعلة.
من هنا، فإن مهمة القمة العربية المقبلة في دمشق هي رفع مستوى الضغوط على إسرائيل، عبر سحب المبادرة العربية من التداول، خصوصاً بعد ما لم يثمر مؤتمر "أنابوليس" شيئاً على صعيد المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية؛ بالإضافة إلى أن قضيتنا مرتبطة بالقضايا الإقليمية الأخرى (لبنان/العراق/إيران)، وحيث ستكون للقمة العربية تداعيات على مجمل هذه القضايا...
العميد وليد سكّرية:
تواجه إسرائيل في هذه المرحلة تحدّيين:
1- كيفية حماية "الجبهة الداخلية"
2- حلّ مشكلة الصواريخ المضادة للدبابات
أما بالنسبة للدرع الصاروخي (القبّة الفولاذية)، فالعدو يحتاج إلى ثلاث سنوات (أو أكثر) من أجل إنجازه (بشكل نسبي)، فيما لم نتأكد من تمكّنه من تأمين دفاع كامل لدبابات الميركافا ضد صواريخ المقاومة المتطورة...
لذا، هناك عجز في المدى المنظور، لدى قادة وجيش العدو، عن شنّ حرب شاملة ضد حزب الله وسوريا (فضلاً عن إيران). والبديل عن الحرب البرّية، بعد تأمين الدرع الصاروخي، هو الاغتيالات وسياسة الأرض المحروقة "في قطاع غزة، خصوصاً بعدما صار لبنان (بجنوبه وبقاعه) ضمن الشبكة الدفاعية الجوّية لسوريا، التي حصلت على وسائل متطوّرة من الروس، كما يقول الإسرائيليون.
أما الحرب على إيران، فهي أيضاً غير مضمونة النتائج في ظل التوازنات القائمة، كما تقدّر أجهزة الاستخبارات الغربية والإسرائيلية. وهناك تطوّر حقيقي حصل في الأعوام الماضية ببروز إيران كقوة إسلامية في قلب العالم الإسلامي تواجه أو تنافس القوة الإسرائيلية، فضلاً عن القوة الأمريكية المهيمنة.
وأذكّر هنا أن احتلال سوريا طرِح في العام 2004 داخل الدوائر الأمريكية، ثم طوِي هذا الطرح، لأن سوريا تختلف عن العراق، ولأن تداعيات هكذا احتلال ستكون أشدّ وأوسع! لكن احتمال استهداف سوريا أو إيران بالقصف المدمّر يبقى وارداً في حسابات الحلف المعادي، لأنه يختلف عن الغزو الاحتلال؛ كما أن الهدف الإسرائيلي-الأمريكي يبقى قائماً بخصوص تأخير أو عرقلة البرنامج النووي الإيراني (الذي لديه مواقع وهمية متعدّدة يصعب استهدافها كلها). وتبقى الضربة المحتملة إذا ما تقرّرت بدقّة المعلومات وبالقدرة التنفيذية.
فالحرب في المنطقة صارت كتعبير عن خيار تصادمي بين مشروعين، وليس خياراً لأمريكا وإسرائيل فحسب: مشروع الممانعة والمقاومة الذي يضمّ إيران وسوريا وحزب الله وحماس، ومشروع الهيمنة والغزو والتسوية المفروضة، ويضم أمريكا وإسرائيل و"عرب الاعتدال"!
لكن هزيمة إسرائيل في تموز 2006 خلقت واقعاً جديداً ضعفت فيه قدرة الردع الإسرائيلية (أو انكسرت)، حيث بات العدو في مرحلة متقدّمة من خوض الصراع مع محور الممانعة (إن لم نقل الأخيرة). وهو يسعى لفرض تسوية ظالمة للقضية الفلسطينية من أجل عزل إيران وحلفائها، أو حثّ إدارة بوش على توجيه ضربة لإيران قد تؤدي إلى نشوب حرب إقليمية واسعة.
أما حول ردّ المقاومة على اغتيال الشهيد عماد مغنية، فيحتاج إلى دراسة متأنّية قد تفرض أن يتم داخل الكيان أو بشكل استباقي، بحسب ما تتناقله وسائل الإعلام حول التحضيرات الإسرائيلية لشنّ عدوان في المستقبل على حزب الله وسوريا...
وألفت إلى أن أي صدامٍ محتملٍ لن يلغي قدرة العدو على الاستمرار في العدوان، حتى مع تدمير محتمل لبناه التحتية، في ظل حصار محكم سيتم فرضه على سوريا والمقاومة (تقرير فينوغراد يؤكد استمرار نهج العدوان والانتقام عند العدو)؛ مع العلم بأن سوريا تمتلك صواريخ متطورة (سكود/زلزال) تستطيع أن تصيب أهدافاً إسرائيلية بدّقة. لكن أقول إن القدرة المحدودة للحلف المعادي على حسم المعركة من دون احتلال تجعله يفكّر كثيراً قبل شنّ أي عدوان جديد.

د. عبد الحليم فضل الله:
مع أن المأزق الأمريكي في المنطقة ليس خطيراً جداً بالنسبة للحزب الجمهوري، إلا أن خيار الحرب الأمريكية في المدى القريب صار محدوداً (قبيل الانتخابات الرئاسية في أمريكا)، لانعكاساتها الكبيرة على القوات المحتلّة. لكن ما دون الحرب من إجراءات يمكن أن يتخذها الأمريكيون في مواجهة محور الممانعة (مثل تصعيد الحصار والضغوط العسكرية والأمنية ...)، بما يتطابق مع رؤية وزيرة الخارجية رايس.
إن اغتيال العدو للشهيد القائد عماد مغنية خلق مساراً أمنياً خطيراً قد يكون بديلاً عن الحرب العسكرية، من دون نفي احتمال تطوّر الأمور. ولإسرائيل مصلحة في ذلك إن ساندتها إدارة بوش، فوجّهت لإيران ضربة مثلاً، لكي لا تتحمّل هي وحدها عبء المواجهة ...
هذه المواجهة السياسية-الأمنية اليوم تفرض توحّد قوى المقاومة وتجاوز الانقسامات فيما بينها، لئلا تصبح المبادرة في يد ما يسمّى "محور الاعتدال"، حيث تلعب السعودية دوراً خطيراً في تأجيج الحساسيات المذهبية في فلسطين ولبنان والعراق، مع محاولة تعويم قوى وأدوات في مواجهة إيران وسوريا...
د. محسن صالح:
بحسب التجربة التاريخية، فإن مشاريع المقاومة كانت تتقدّم كلما زادت الهجمات عليها. والكيان الصهيوني لم يهزم حركة مقاومة في تاريخه، بل كان ينتصر على أنظمة. ولا يخفى أن المقاومات تنتصر لأنها ترتبط بآمال وآلام شعوبها، وهي تستطيع التحمّل والصبر أكثر بكثير من الأنظمة المقيّدة...
وأنا أتفق مع الإخوة في أن خيارات الحلف المعادي محدودة في هذه المرحلة، مقابل ديناميكية عالية لقوى أو دول الممانعة. فضرب سوريا أو إيران غير مضمون العواقب (وكذلك بالنسبة لحزب الله)؛ ووضع الكيان اليوم "غير طبيعي" بعد هزيمته في تموز 2006. أما سلوك المقاومة، فأصفه بالموجي (كموجات البحر). والمعروف أن الانتفاضة الشعبية ليست كالمقاومة المسلّحة في أدائها ونتائجها، لأن عمل المقاومة يتأثر كثيراً بالإمكانيات المتاحة وبالظروف المحيطة.
سياسياً، فإن شعبية السلطة (ومصيرها) ترتبط بمسار التسوية الذي ليس من أفقٍ قريبٍ له (أواخر العام 2008)، مقابل توقّع ارتفاع في شعبية حماس وقوى المقاومة، إذا استمرّ مأزق التسوية. فالأزمة تضرب اليوم داخل سلطة أبو مازن وحركة فتح، سواء عقِد المؤتمر السادس للحركة أم لم يعقد، من دون أن ننكر وجود أزمة حتى لدى فصائل المقاومة والوضع الفلسطيني ككل.
لذا، أنا أتوقع اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة في أي وقت، في ظل الانسداد الحالي، وضعف إدارة بوش وحلفائها عن حسم الأمور، مع العلم بأن ولاية عباس تنتهي في نهاية هذا العام، فيما يحافظ المجلس التشريعي على شرعيته الدستورية (عباس أعلن أنه لا يرغب بولاية جديدة ...).
من هنا، أشدّد على ضرورة استعادة وحدة الجسم الفلسطيني، وتجاوز كل ما جرى على أسسٍ جديدة، تتيح الاستمرار في مقاومة المشروع الأمريكي-الصهيوني؛ أي بمعنى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، لأن للقطيعة أثمانها، التي هي أعلى من أثمان إعادة الحوار والتلاقي... ويجب على الجميع عدم الرضوخ لأي ضغوط خارجية تعيق استئناف الحوار، لأن لا بديل عنه بالنسبة لنا جميعاً (العودة إلى المربّع الأول).
الدكتور مصطفى الحاج علي:
لقد حدّدت إدارة بوش أهدافها منذ البداية: إيران هي العدو الأساس، والقاعدة لكل قوى الممانعة لمشاريعها. من هنا استحضار الأمريكيين للبعد المذهبي (السنّي-الشيعي) في إطار المواجهة المحتدمة، حيث شكّلت حرب تموز 2006 محاولة فاشلة في هذا السياق (على المستويين اللبناني والإقليمي).
وقد هدفت زيارة بوش الأخيرة إلى بعض دول المنطقة إلى تجديد أو تفعيل المحور المعادي لإيران وسوريا وقوى المقاومة، عبر تحريك المسار الفلسطيني-الإسرائيلي، مع السعي لتفتيت محور الممانعة (زيادة الضغوط على سوريا عبر "العرب الرجعيين"، وتنفيذ الضربات الأمنية الموجِعة كعملية اغتيال الشهيد مغنية)...
وتدخل مسألة التهديد بتدويل الأزمة اللبنانية، وفرض مزيد من "العقوبات" على بعض المسؤولين السوريين في السياق ذاته. من هنا، فإن خيار الحرب الشاملة ليس مرجّحاً في المستقبل القريب للأسباب التي ذكرها الإخوة قبلي. لكن الأمريكيين وحلفاءهم قلقون من أن تستغلّ قوى المقاومة الظروف لتحقيق إنجازات معيّنة في هذه المرحلة، إذا خرقت "الستاتيكو" الراهن؛ من هنا تفسيرنا للمحاولات الإسرائيلية (المدعومة سعودياً ربما) لعقد صفقةٍ ما مع سوريا، بموازاة تصعيد الضغوط والتهديدات ضدها...
لقد حذّر المسؤول الأمريكي السابق ريتشارد هاس، من ناحية أخرى، من خطورة إدارة بوش الراحلة، التي قد تقدم على تنفيذ ضربةٍ نوعيةٍ محدودة ضد إيران أو سوريا، بما يؤدّي إلى اضطرابات كبيرة في المنطقة، مع العلم بأن لا إمكانية لتنفيذ ضربة أو حرب مفردة ضد الدول الممانعة (سوريا لوحدها أو حزب الله أو إيران).
كما نلاحظ في هذا الإطار "عصبية زائدة" لدى "الرجعيين العرب" من أجل حسم الأمور خلال هذه السنة مع سوريا وإيران، أي قبل انتهاء عهد بوش، سواء بصفقة معيّنة، أم بوسائل أخرى؛ لكن ليس على حساب استقرار الأنظمة "المعتدلة" ومصالحها!
والمعلوم أن فشل أي حرب محتملة قد يكون بمثابة ضربة قاضية للأمريكيين ولحلفائهم العرب، في ظل واقع أن أمريكا اليوم أضعف على عدّة مستويات قبالة القوى الكبرى الصاعدة (الصين-روسيا –الهند) التي تمتلك مصالح مهمة وواسعة مع إيران بالخصوص، لا تستطيع التفريط بها، فضلاً عن البعد التنافسي التقليدي بينها وبين القطب الأمريكي المهيمن.
الأخ أبو عماد الرفاعي:
أنا أعتقد أن المنطقة تتّجه نحو حرب مفتوحة، خلافاً لقراءات بعض الإخوة، في ظل سعي الحلف المعادي لاستعادة هيبته وسيطرته بعد فشله في فلسطين والعراق ولبنان (لاحظ تهديد لجنة فينوغراد التي حقّقت في إخفاقات حرب تموز 2006)!
كما أن العرب "المعتدلين" متحمّسون –على ما يبدو- كما هي إسرائيل، من أجل ضرب المقاومة في فلسطين ولبنان، لأن هذه المسألة تعدّ بالنسبة لهؤلاء قضية استراتيجية وليست مرحلية (تعاظم قوة الفصائل المقاومة). فيما الكيان الإسرائيلي يريد أن ينتهز الفرصة قبل ذهاب بوش في نهاية السنة الحالية؛ وعليه، فإن اغتيال مغنية هو برأيي يصبّ في سياق التهيئة للحرب الجديدة، وليس كردّ فعلٍ أو كعملٍ أمنيٍ بحت!
وهذه الحرب ستكون –إذا حصلت- شاملة، لكنها قد تبدأ بحماس أو بحزب الله. أي بمعنى أن نجاح أي مرحلة يمهّد لمرحلة أخرى... كما أن توقيت هذه الحرب يرتبط بردّ فعل حزب الله على اغتيال الشهيد مغنية (خارج فلسطين/داخل فلسطين/جنوب لبنان).
إن ردّ المقاومة قد يسيء إليها وإلى جمهورها العريض إذا ما تمّ في دول بعيدة عن ساحة الصراع (اتهام حزب الله بالإرهاب، تعزيز الانقسام الداخلي...)، فيما ردّها داخل فلسطين  قد يربك العدو ومخطّطاته تجاه المقاومة (بحسب طبيعة العملية الثأرية وحدودها)...
وتدخل محاولات تأجيج الفتنة المذهبية (السنّية-الشيعية) وتعميق الخلاف العربي-الإيراني (إلى صراع قومي) في السياق الذي تحدّثنا عنه آنفاً.



2009-02-25 11:13:22 | 2591 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية