وثائق

الوثائق تكشف تعامل البطريركية المارونية مع اسرائيل --- واميل اده يحرضها على احتلال لبنان وآخرون...


الوثائق تكشف تعامل البطريركية المارونية مع اسرائيل --- واميل اده يحرضها على احتلال لبنان وآخرون... التاريخ يعيد نفسه اليوم
هل نبكي على أمة متعاملة يجب حرقها؟؟؟
 
 النص من جريدة السفير-- ينصح بقراءة النص بكامله -- للذين لا يملكون وقتًا : يشار الى مقاطع البطريركية واميل اده بالاصفر
 
إميل إده يقترح على إسرائيل قصف دمشق وبيروت واحتلال الجنوب
وإســقــاط الـحـكــومــة الـلـبـنــانيــة بـانـقــلاب عسـكــري
محمود محارب

قرار اغتيال رئيس وزراء لبنان
تطرقت ثلاثة مصادر إسرائيلية منشورة إلى قرار إسرائيل اغتيال رئيس وزراء لبنان رياض الصلح، اثنان منها كتبهما عنصران ممن شاركوا في محاولة تنفيذ قرار الاغتيال، أما الثالث فأشار إلى الموضوع في أطروحة دكتوراه. وهذه المصادر هي:
1ـ مذكرات غمليئيل كوهن قائد وحدة المستعربين في بيروت حينذاك، وهي بعنوان «المستعربون الاوائل»، (صدر في تل أبيب عن وزارة الدفـاع الإســرائيلية في العام 2002). وتنبع أهمــية هذا الكتاب من أن المؤلف لم يعتمد في كتابة مذكراته على ذاكرته فحسب، بل على أرشيف الجيش الإسرائيلي، في ما يخص اغتيال رياض الصلح، وخاصة سجل البرقيات التي تبادلتها قيادة وحدة المستعربين في إسرائيل مع مجموعتي المستعربين في بيروت اللتين كلفــتا اغتيال رياض الصلح. وقد وثق المؤلف باعتماده على هذه السجلات تواريخ هذه البرقيات ومضامينها في شأن قرار اغتيال الصلح.
2ـ كتاب رافي سيطون ويتسحاق شوشان وهو بعنوان «رجال السر والخفية: من قصص المخابرات الإسرائيلية خلف الحدود»، (صدر في القدس عن دار عيدنيم في العام 1990). وتعود أهمية هذا الكتاب إلى أن أحد مؤلفَيه، وهو يتسحاق شوشان، كان أحد الاثنين المكلّفين اغتيال رياض الصلح في بيروت.
3ـ كتاب رؤوفين ارليخ، «في الشرك اللبناني»، وهو في الأصل أطروحة دكتوراه أعدها المؤلف ذو الخلفية الأمنية، وأصدرتها وزارة الدفاع الإسرائيلية في العام 2000.
في 9 كانون الأول/ديسمبر 1948، أي في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تفاوض رياض الصلح في باريس، أرسلت قيادة وحدة المستعربين «ش.م.18» التابعة لجـهاز المخابرات العسـكرية في الجيش الإسرائيلي إلى غمليئيل كوهن، قائد مجــموعتي المستــعربين الموجودتين في بيروت آنذاك، برقية لاسلكية طلبت فيها إبلاغ القيادة في إسرائيل عن موعد وصول رياض الصلح إلى بيروت(19).
وتفيد المصادر الإسرائيلية بأن ثلاث مجموعات للمستعربين نشطت في لبنان وسوريا (اثنتان في لبنان وواحدة في سوريا) في أثناء حرب 1948، وكانت هذه المجموعات الثلاث جزءا من وحدة المستعربين «هشاحر» (الفجر) التابعة لقوات «البلماح»، أي القوة الضاربة في الهاغاناه، ومن ثم في الجيش الإسرائيلي. وتضيف المصادر الإسرائيلية ان قرار إرسال المستعربين إلى بيروت اتخذ في تشرين الثاني/نوفمبر1947. ووصل المستعرب غمليئيل كوهن إلى بيروت في 18 كانون الثاني/ يناير 1948 بهدف الاختلاط بالمجتمع اللبناني ووضع الأسس لإنشاء قاعدة سرية للمستعربين في بيروت. وبعد أن استقر غمليئيل كوهن في بيروت بفترة وجيزة أرسلت له قيادة المستعربين عددا آخر من المستعربين وجهازي اتصال لاسلكي وأسلحة ومتفجرات للقيام بأعمال تخريبية في لبنان. وبعد قيام إسرائيل وتأسيس الجيش الإسرائيلي، أُلحقت وحدة المستعربين «هشاحر» بجهاز المخابرات العسكرية في الجيش الإسرائيلي وأُعطيت الاسم «ش.م.18»(20).
في 12 كانون الأول/ديسمبر 1948 أرســلت قيــادة وحـدة المستعربين «ش.م.18» برقية إلى غمليئيل كوهن قائد مجموعتي المستعربين في بيروت أبلغته فيها قرارا خطــيرا للغاية، وهو التالي: «تقرر تصفية ريـاض الصلــح والمهمة ألقيت عليــنا. تعقبــوه وحضروا اقتراحات للتنــفيذ. ستتلقون أمر التنــفيذ في حينه»(21). وفي اليوم نفــسه أرسلت قيــادة وحدة المستعــربين «ش.م.18» برقية أخرى إلى قائد وحدة المستعربين في بيروت جاء فيها: «نحن نحضر إرسال طائرة كي تقــوم بإنزال المواد المطلــوبة لكــم ... أرسل لنا قائمة بكل ما هو مطلوب لكم ...عليك بأســرع وقــت إيجاد مكان ملائم للإنزال خارج الأماكن السكنية. عملية الإنزال ستتم في الليل...»(22).
ألقت قيادة وحدة المستعربين «ش.م.18» مسؤولية تنفيذ عملية الاغتيال على المستعرب كوهن يعقوب أحد عناصر مجموعتي المستعربين في بيروت(23). وفور تلقي عناصر مجموعتي المستعربين قرار اغتيال رياض الصلح من قيادتهم في إسرائــيل شرعوا في جمع المعلومات ووضع الخطط لتنفيذ العملية. فراقبوا رياض الصلح وتعقبوا تحركاته اليومية، خاصة عند ذهابه من بيته إلى مبنى البــرلمان في بيروت وإيابه منه. وفي بعض الأحيان تعقبوا تحركاته في الليــل في أثناء ذهابه للاجتماع إلى رئيس جمهورية لبنان. ومن بين الأمـور العديدة التي قام بها المستعربون فحصهم بدقة طريق انتقال رياض الصلح ومراقبتهم الترتيبات الأمنية حوله. ويذكر رافي سيطون ويتسحاق شوشان في كتابهما «رجال السر والخفية: من قصص المخابرات الإسرائيلية في ما وراء الحدود»، ان يتسحاق شوشان، وهو العنصر المستعرب الشريك لكوهن يعقوب في تنفيذ عملية اغتيال رياض الصلح، اكتشف نقطة ضعف في الطريق التي يسلكها رياض الصلح من بيته إلى البرلمان. فقد كان في هذا الشارع مقطع يستعمل رصيفه سوقاً، الأمر الذي يؤدي إلى بطء سرعة السيارات. واقترح يتسحاق شوشان إلصاق لغم من نوع «كونوس» بسيارة رياض الصلح عند مرورها بهذا المقطع. بيد أن هذه الخطة لم يتم تبنيها. واستمر المستعربون في بيروت في القيام بعمليات المراقبة والتحري ووضع الخطط بجد ونشاط، والبحث عن أفضل الطرق لاغتيال رياض الصلح من دون ترك آثار تدل على مرتكبي الجريمة أو تقود إلى اعتقالهم أو قتلهم عند تنفيذ عملية الاغتيال.
منذ النصف الثاني من كانون الأول/ديسمبر 1948 وحتى أواخر شباط/ فبراير1949 تبادلت الوحدة «ش. م.18» الكثير من البرقيات مع المستعربين في بيروت، تضمنت توجيهات وإرشادات من القيادة في إسرائيل في شأن عملية الاغتيال وحثتهم مراراً على تنفيذ عملية الاغتيال. ويذكر غمليئيل كوهن في كتابه «المستعربون الأوائل» انه في الثامن من كانون الثاني/يناير 1949 أصدرت قيادة الوحدة «ش.م.18» أمراً إلى كوهن يعقوب حثته وأمرته مجددا بتنفيذ العملية. وجاء في الأمر: «نعطيك بهذا أمراً بتنفيذ عملية اغتيال رياض الصلح رئيس حكومة لبنان. نفذ أمر التصفية في أقرب فرصة». وشددت هذه البرقية على أن «لهذه العملية أهمية قصوى لمصالحنا»(24). في العاشر من كانون الثاني/يناير 1949 أرسل كوهن يعقوب إلى قيادته في إسرائيل برقية جاء فيها أن عملية تصفية رياض الصلح قد تستغرق وقتا، وان هناك ضرورة لضمان النجاح مئة بالمئة، وانه سيعـمل على تصفية رياض الصلح في أقرب وقت. وفي ردها على كوهن يعقــوب وافقت القيادة في إسرائيل على ان التنفيذ يجب أن يكون ناجحا مئة بالمئة وقدمت له بعض الإرشادات التقـنية في شأن استعــمال المواد التفجيرية في عملية الاغتيال، وأوصت بأن تتم عملية التصفية في ساعات الظلام. في اليوم نفسه أرسل كوهن يعقوب رده على رسالة القيادة في إسرائيل ذكر فيها أن من غير الممكن تصفية رياض الصلح بواسطة إطلاق النار عليه لانعدام إمكانية الانسحـاب والهرب. وأضاف ان الحراسة على بيت رياض الصلح مشددة، وأن حراسه يرافقونه في تحركاته، وان جدول أعماله غير ثابت. وأخبر كوهن يعقوب قيادته في هذه البرقية عن تفصيلات خطته لاغتيال رياض الصلح حيث ذكر انه سينفذ عملية الاغتيال هو ويتسحاق شوشان مع مستعرب آخر في ساعات الليل في الشارع الذي يسكن فيه رياض الصلح، وان العملية ستنفذ بواسطة وضـع لغم موقوت من نوع «كونوس» يلتصق بسهولة بالسيارة عندما تبدأ في التحرك. وفي اليوم التالي أرسلت قيادة وحدة المستعربين «ش.م.18» ملاحظاتها على خـطة اغتيال رياض الصلح إلى كوهن يعقوب وافقــته فيها على أنه ينبغي عدم تنفيذ العملية بواسطـة إطلاق النــار، وحـذرته من أن السيارة التي ستستعملها مجموعة المستعربين لتنفيذ العمـلية قد تفشل العملية إذا وضعت قريبا من مسرح العملية، وأوصت بوضع هذه السيارة في مكان آمن. وأضافت القيادة أنه ينبغي أن ينفذ العملية شخصان لا ثلاثة. وأشارت القيادة إلى ان هناك إمكانية للتسبب في إيقاف سيارة رياض الصلح بواسطة رش مسامير على الشارع، وعندما تتوقف السيارة يتجه نحوها منفذا العملية ويتــظاهران بأنهما سيقدمان المساعدة ويلصقان بسرعة اللغمين الموقوتين من نوع «كونوس» بالسيارة (25).
يذكر غمليئيل كوهن في كتابه «المستعربون الأوائل» أن قيادة المستعربين في إسرائيــل ظلت تحث كوهن يعقــوب على القــيام بعملية التصفية، واقترحت عليه في 17 كانون الثــاني/يناير1949، جراء فشله في تحقيق خطته، وضع لغم في جثة كلب على الطريق الذي تمر به سيارة رياض الصلح. ويقول المؤلف أن الإمكانيات والقدرة على تصفية رياض الصلح كانت أضعف من التطلعات المرتفعة والضغط الدائم من القيادة في إسرائيل للقيام بتصفية رياض الصلح (26). ويذكر غمليئيل كوهن أيضاً ان قيادة المستعربين في إسرائيل أبرقت في 28/1/1949 إلى كوهن يعقوب وأخبرته أنه «لأسباب سياسة متعلقة بعلاقات إسرائيل مع لبنان نأمركم بتأجيل عملــية التصــفية»، وطلبت البرقية من كوهن يعقوب الاستمرار في أعــمال المراقبة والتفكير في إمكانية تحسين خطة التصفية. وفي 22 شباط/ فبراير 1949 أصدرت قيادة المستعربين في إسرائيل أمرا إلى كوهن يعقوب بإلغاء العملية كلية (27).
في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تسعى لتصفية رياض الصلح جسديا، حاولت القيادة الإسرائيلية «حرقه» سياسيا. ففي كانون الثاني/ يناير 1949 سرب مسؤول إسرائــيلي أمر الاجــتماعات السرية التي عقدت بين رياض الصلح وإلياهو ساسون ومجموعته في باريس إلى صحيفة «نيويورك هيرالد تريبيون» بواسطة مراسلها كينيث بيلبي. وفي اليوم التالي لنشر الخبر في صحيفة «نيويورك هيرالد تريبيون» نشرت صحيفة «النهار» البيروتية، المعارضة لحكومة الصلح، في عددها الصادر في 21/1/1949، ترجمة للمقال الذي نشر في الصحيفة الأميركية (28). أدرك طوفيه أرازي المعنى السياسي الكامن وراء تسريب القيادة الإسرائيلية أمر الاجتماعات السرية مع رياض الصلح. ففي رسالة له من باريس إلى إلياهو ساسون في تل أبيب عن التسريب قال أرازي: «أقوالك عن التسريب بخصوص رياض الصلح هزتني، خاصة بعد أن جاءت الردود من بيروت: أرسلت لك «النهار» البيروتية التي نشرت كليشيه مما جاء في مقال بيلبي في هيرالد تريبيون. يخبرونني أن المخابرات اللبنانية اندفعـت في الشوارع وجمعت الأعداد التي نشرت الخبر. في هذا البريد أبعث لك أيضا صحفا تشير إلى حدوث تفتيش في هيئات التحرير الخ. لقد كنا على يقين أنكم قمتم عن قصد بالتسريب، لكننا لم نفهم المنطق من ذلك، أنكم قررتم أن تقبروا رياض» (29).
يطرح قرار إسرائيل اغتيال رئيس وزراء لبنان رياض الصــلح في الوقت الذي كانت لا تزال تجري مفاوضات معه أسئلة عدة في مقدمتها: لماذا قررت إسرائيل اغتيال رياض الصلح؟ وما هي دوافع هذا القرار الخطير؟ ما هي الأهداف التي سعت إسرائيل لتحقيقها من الاغتيال؟ للإجابة عن هذه الأسئلة هناك جملة من المعطيات ينبغي الإحاطة بها، تتعلق باستراتيجية إسرائيل إبان قيادة بن غوريون خلال حرب 1948 تجاه لبنان، وبسعي بن غوريون للاحتفاظ بالمنطقة اللبنانية التي احتلها الجيش الإسرائيلي في عملية «حيرام» تمهيدا لضمها إلى إسرائيل.
بن غوريون وقرار القتل
تمتع دافيد بن غوريـون بمواصفات القــائد التاريخي للييشوف ومن ثم لإسرائيل، وأمسك بقوة بالقرارات التي تخص الأمن القومي الإسرائيلي. وجمع بن غوريون بين زعامته لحزب مباي وللتيار العمالي، وبين منصبي رئيس الوزراء ووزير الدفاع، وكان من ضمن صلاحياته المسؤولية المباشرة عن أجهزة الأمن المختلفة، التي ما كان يمكن ان يصدر عن أحدها، وهو جهاز المخابرات العسكرية، قرار اغتيال رياض الصلح لكن بعد تلقي رئيسه أمرا مباشرا بذلك من دافيد بن غوريون.
لم يكن بن غوريون مقتنعا بحدود الهدنة التي رُسمت بعد عن الجولة الثانية من الحرب في تموز/يوليو 1948، تلك الحدود التي كان يصفها بأنها سخيفة ومضحكة، وكان يسعى بكل جهد لتوسيع حدود إسرائيل في جميع الجبهات.
اعتبرت الوكالة اليهودية، ثم إسرائيل تحت قيادة بن غوريون، والحكومات التي تعاقبت بعده، أن تدخل إسرائيل في الشؤون الداخلية العربية وتوجيه تطور الأحداث فيها لمصلحة إسرائيل، هو جزء من أمن إسرائيل. كان بن غوريون يخشى أن تواجه إسرائيل عدواً عربياً موحداً مصمماً على مقاومتها، لذلك بذلت جهداً كبيراً لإذكاء الخلافات والصراعات الداخلية في داخل كل دولة عربية، وكذلك بين الدول العربية، على أسس طائفية أو عشائرية أو جهوية أو عرقية، وكذلك لإيجاد مصالح مشتركة بين النخب السياسية في هذه الدول وإسرائيل.
في 25 أيار/مايو 1948، أي بعد قيام إسرائيل بعشرة أيام فقط، كتب دافيد بن غوريون في مذكراته: «ان نقطة الضعف في الائتلاف العربي هي لبنان. الهيمنة الإسلامية فيه هيمنة مصطنعة ومن السهل إسقاطها. ينبغي إقامة دولة مسيحية يكون الليطاني حدها الجنوبي. وسوف نوقع معاهدة معها»(30). لم يكتب بن غوريون ذلك من فراغ، فقد كان لديه ما يستند اليه من علاقات قوية ومتشعبة مع فئات واسعة لها تأثيرها في لبنان، ونكتفي هنا بالإشارة إلى بعضها.
أ ـ بعد التوصل إلى صيـغة «الميثاق الوطني» ووصــول بشارة الخوري ورياض الصلح إلى دفة الحكم في لبنان في العام 1943، ركزت الوكالة اليهودية اتصالاتها بالقوى اللبنانية المعارضة لصيغة «الميثاق الوطني» وأجرت الكثير من الاتصالات بها. وقد توجت هذه الاتصالات والمفاوضات بتوقيع معاهدة سرية في 30 أيار/مايو 1946 بين الكنيسة المارونية، التي عرضت نفسها بأنها تمثل الطائفة المارونية في لبنان (الطرف الأول)، وبين الوكالة اليهودية (الطرف الثاني). وجاءت هذه المعاهدة في ست مواد نصت على عقد تحالف بين الطرفين والتعاون بينهما في جميع الميادين. ونكتفي بإيراد المادة الأولى للبرهان على مدى خطورة هذه الأمر الذي كان له تأثير في تطلعات بن غوريون في تلك الفترة. فقد ذكرت المادة الأولى الآتي: «يعلن الطرف الأول اعترافه الكامل بالروابط التاريخية القائمة بين الشعب اليهودي وفلسطين وبتطلعات الشعب اليهودي في فلسطين، وبحق الشعب اليهودي في الهجرة إلى فلسطين وفي الإقامة فيها بحرية، ويعلن موافقته على البرنامج السياسي الحالي والمعلن للوكالة اليهودية الذي يتضمن خاصة إقامة الدولة اليهودية»(31).
ب ـ في النصف الأول من العام 1948 اتفق مندوبو الوكالة اليهودية مع الأب جوزيف عواد اللبناني على إثارة الرأي العام الماروني ضد حكومة رياض الصلح. وقد استلم الأب جوزيف عواد مبالغ مالية من مندوبي الوكالة اليهودية لتحقيق هذا الهدف، وأجرى اتصالات بفئات كثيرة في لبنان، من بينها قيادة حزب الكتائب التي عرض عليها تنظيم انقلاب عسكري لإسقاط حكومة رياض الصلح، وقد أبدت هذه القيادة بدورها موافقتها (32).
ج ـ تفيد الوثائق الإسرائيلية بأن موضوع تنظيم انقلاب عسكري في لبنان ضد حكومة رياض الصلح عرضها طوفيه أرازي مرتين، على الأقل، مع الرئيس السابق للبنان اميل اده الذي كان يدعو إلى «لبنان الصغير» المتحالف مع إسرائيل، من دون الشمال والجنوب. وفي الاجتماع الثاني الذي عقد بين طوفيا أرازي وإميل اده في بداية تموز/يوليو 1948 ذكر إميل أده أن المعارضة اللبنانية ليست قوية بما فيه الكفاية لإسقاط الحكومة بانقلاب عسكري وقتئذ. ولكنه ذكر أمراً مهماً وخطيراً، وقال انه في حالة قيام الجيش الإسرائيلي باحتلال أراض واسعة من جنوب لبنان حتى صور وصيدا فإن المعارضة يمكنها أن تنظم نفسها خلال شهر إلى شهرين وتستغل هذا الاحتلال للقيام بانقلاب عسكري وإسقاط حكومة رياض الصلح وتأليف حكومة جديدة. ويفيد تقرير أرازي عن هذا الاجتماع بأن إميل اده حث إسرائيل على القيام بذلك، واقترح في هذا الاجتماع أيضاً أن تظهر إسرائيل قوتها وحزمها وان تقوم بسلسلة من الخطوات، منها قصف دمشق بالطائرات لتلقينها درساً، وبعد ذلك تقوم الطائرات الإسرائيلية بإسقاط آلاف المنشورات على بيروت وتهدد فيها بوضوح أنه إذا لم تقم الحكومة اللبنانية بتغيير سياستها تجاه إسرائيل فإن إسرائيل ستقصف بيروت. وبعد ذلك تباشر إسرائيل غزو لبنان ويحتل الجيش الإسرائيلي المنطقة حتى ما بعد الليطاني ليصل إلى صيدا (33).
المنطقة اللبنانية المحتلة
والضغط الدولي
اعتبر دافيد بن غوريون ان وصول الجيش الإسرائيلي في «عملية حيرام» إلى الليطاني شكل نهاية ملائمة لعملية ناجحــة. وكـتب في كتابه «دولة إسرائيـل المتجددة»: «عبر لواء كرملي الحدود الشمالية وسيطر على القرى الواقعة غرب طريق المنارة، وغالبيتها في دولة لبنان. وصل اللواء حتى وادي طير دوبا في الغرب ونهر الليطاني في الشمال. والعملية التي أطلق عليها اسم «حيرام» على اسم ملك صور، حليف وصديق الملك داود، انتهت»(34).
ويشير قائد الجـبهة الشمالية في الجـيش الإسرائيــلي في حـرب 1948 موشـيه كرمـيل إلى عملية حيرام بالقـول: «وجدنا فرصة لإدخـال تعديـلات جديـة علـى الحـدود بيننا وبين لبنــان، فــي الجزء الشمــالي من البـلاد. ..»، فنـهر «الليـطاني تحــدث إليــنا دومــاً (أي جذبنا إليــه وأغرانا بالوصـول إليــه دائما. / م. م.)»(35).
وأشــارت الخطــوات التــي قامت بها إسرائــيل في المنـطقة اللبنانية المحتـلة والتي شمــلت 15 قرية لبنانية، إلى أن إسرائيل تركــت البـاب مفتــوحاً لإمكانية استمرار الاحتلال الإسرائيلي لهذه الأرض اللبنانية تمهــيداً لضمها. فقد عمل الجيش الإسرائيلي على تهجــير الغالبية من السكان بواسطة ارتكــابه مجــزرة إعـدام الأســرى وبواسطــة التهـجير المباشر وغــير المباــشر للسكــان، حيث بقي في الـخمس عشرة قرية لبـنانية المحتـلة أقل من 3000 نسمة بعد احتلالها من بين أكثر من 15 ألف نسمة كانوا فيها قبل الاحتلال.
ويكــشف يعقـوب شمعـوني الذي كان يشغـل منصب نائب مدير قسـم الشـرق الأوسـط في وزارة الخارجـية الإسرائيـلية الذي كان يتـولاه إلياهـو سـاسون، انه، عشـية عمليـة «حيـرام»، جـرت مشاورات بين الجيش الإسرائيلي وقسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسرائيلية. وخلال هذه المشاورات عرض الجــيش الإسرائيلي سؤالا عن مصير السكان اللبنانيين في جنوب الليطاني. ويضـيف شمعـوني: «كان السـؤال: هل نطردهـم ام نبقيـهم في أمكنتهم ونحاول أن نجعلهم متعاونين؟ هنا لم نعط تعليمات دقيقة ونهائية، ولكننا اتخذنـا بصورة عامــة موقفا وسطا: تشجــيع أو ترتيب هرب أو مغادرة اكبر عدد من السكان في أثناء تقدم قواتنا... والحرص على ان يبقى في كل قرية على الأقــل عدد من النــاس يكون في إمكانهم الظهور كشخصيات وممثلين للقرية، ويطلبون حمايتنا ودخولنا ...»(36).
تعاملت إسرائيل مع هذه المنطقة اللبنانية المحتلة، فور احتلالها، كأنها جزء من إسرائيل، حيث تدفق في فترة الاحتلال المئات من المدنيين الإسرائيليين إلى القرى اللبنانية للزيارة والتجارة. كذلك شغلت إسرائيل المئات من سكان هذه القرى اللبنانية المحتلة داخل إسرائيل في شق الطرق وجمع الزيتون... الخ.
([) باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في قطر
الـــهـــوامـــش
19ـ غمليئيل كوهن، «المستعربون الاوائل»، تل أبيب: وزارة الدفاع، 2000، ص 268.
20ـ المصدر السابق نفسه، الفصل الرابع عشر.
21ـ المصدر السابق نفسه، ص 268.
22ـ المصدر السابق نفسه.
23ـ المصدر السابق نفسه.
24ـ المصدر السابق نفسه، ص 269.
25ـ المصدر السابق نفسه، ص 270 – 272
26ـ المصدر السابق نفسه.
27ـ المصدر السابق نفسه.
28ـ انظر حسان حلاق، موقف لبنان من القضية الفلسطينية:1918ـ 1952، بيروت: مركز الأبحاث الفلسطيني، 1982، ص 240.
29ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 70/3771، رسالة أرازي من باريس في 6/2/1949.
30ـ Avi Shlaim, ‘Israeli Interference in Internal Arab World: The case of Lebanon’, in G. Luciani & G. Salame (eds.), The Politics of Arab Integration, London , 1988, p.236.
31ـ الأرشيف الصهيوني المركزي، ملف س 25/ 3269.
32ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 23/5563.
33ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 6/3766، رسالة إلى شمعوني في 13/7/1948. ومن الملاحظ ان إسرائيل قامت بتنفيذ الاقتراحات التي عرضها إميل اده على طوفيه أرازي.
34ـ دافيد بن غوريون، «دولة إسرائيل المتجددة»، تل أبيب: عام عوفيد، 1969، الجزء الأول، ص 306.
35ـ رؤوفين أرليخ، مصدر سبق ذكره، ص 215.
36ـ أرشيف الدولة، ملف حيتس 11/2570، رسالة يعقوب شمعوني إلى إلياهو ساسون في 12/11/1948.
37ـ دافيد بن غوريون، «يوميات الحرب»، تل أبيب: عام عوفيد، الجزء الثالث، ص790. في استعماله كلمة باريس، يقصد بن غوريون إذا لم يحدث أي شيء من جانب الدول الكبرى التي كانت تشارك في اجتماعات الجمعية للأمم المتحدة في باريس.
38ـ رؤوفين ارليخ، مصدر سبق ذكره، ص 224

2011-02-03 11:59:25 | 2014 قراءة

التعليقات

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد
مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية